لم يُرفع عنهم "الحجاب"!

حتى تصريحات رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، حول جرائم نظام الأسد، لم تكن لترفع "الحجاب" عن قلوبٍ فقدت البصيرة، وأعين لم تعد تبصر ما يجري من مذابح ومجازر دموية، يشيب لها الرأس وترتجف لها القلوب؛ فغرقوا في مخيّلاتهم المسكونة بمنطق المؤامرات، بل ولم يترددوا في اتهام جميع المنشقين عن النظام السوري بالجبن والعمالة، حتى وصل الأمر إلى اتهام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بأنّ لكل واحد منهم "سعراً"!اضافة اعلان
هل ثمة عاقل يقرأ هذه "الخزعبلات" يرشدني إلى ما هو "السعر" الذي يعدل أن يفقد الإنسان أمنه وبيته وحياته، ويشرّد مع أبنائه إلى مخيم الزعتري، الذي لا يصلح أن يكون مسكناً لبشر؟!
هل ثمة عاقل يخبرني ما هو "سعر" آفاق محمد، الشاب العلوي، الذي ترك زوجته وابنتيه الصغيرتين، وكان مديراً لمكتب رئيس قسم العمليات الخاصة للمخابرات الجوية السورية، وصهراً له، وتخلّى عن ذلك إلى "سكن المنشقين" لدينا (أشبه بالسجن)، بعد أن كان في غاية النعيم والحياة المترفة؟!
سأنقل لكم جواب آفاق، الذي أخبرني به على الهاتف، بعد أن صدم المحققين الأردنيين كيف يترك ذلك ويأتي إلى هنا؛ إذ كان ردّه: "لأنني إذا بقيت سأفقد إنسانيتي، وأنا أرى يومياً أمامي مئات الجثث المكّدسة بعد التعذيب"!
تصوّروا حجم الاحتقار للناس وكرامتهم وأرواحهم وإنسانيتهم! تصوّروا الانهيار في ميزان الأخلاق والأدب! حتى من فرّوا بعائلاتهم من الجحيم وقصف الطائرات والدبابات والمدفعية، فهم لم يسلموا من "جماعتنا"!
لدينا حزبيون وكتّاب ومثقفون يتجاوز خطابهم التحريضي لقتل وإبادة الشعب السوري سموم قناة "الدنيا" وأكاذيب الإعلام الرسمي، بل يقفون على يمين النظام السوري نفسه؛ لا يرمشون وهم يدّعون أن المجازر الدموية البشعة بحق مئات الآلاف هي مجرد "فبركات إعلامية"!
لا يفكّر "أحباب الأسد" هنا في الذهاب ساعتين فقط إلى مخيمات اللاجئين السوريين، التي تضم مئات الآلاف، للاستفسار منهم عن حقيقة ما يجري؛ فملايين السوريين كاذبون مدّعون عملاء، والمجموعة الدموية التي تحكم سورية وحدها هي الصادقة، و"جماعتنا" هم الوطنيون السوريون الذين يملكون وطنيةً أكثر من الشعب السوري نفسه، بعد أن أفسده الانفتاح الاقتصادي الأخير، فالنموذج الثوري المفضّل لديهم هي كوريا الشمالية وكوبا، حيث "الأنظمة الديمقراطية" الحقيقية!
يُختزل لديهم مشهد الثورة السورية، وإرادة الملايين بالتحرر والحرية، وجرائم النظام ومجازره (بالأمس فقط مئات القتلى والجرحى في أعزاز- بيوت هُدّمت على أهلها)، بالحسم العسكري لمواجهة العصابات الإرهابية!
عشرات الآلاف من الجيش الحرّ، أغلبهم من المنشقين والثوار، يتم استبدالهم -بجرّة قلم- بمئات من المتطوعين الجهاديين العرب!
وتختزل الملحمة الإنسانية التي يخوضها الجيش الحر اليوم ببعض الأعمال غير المقبولة، دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، التي يرتكبها أفراد منه، كما حدث مع عائلة برّي في حلب، وهي بلا شك محزنة ومؤلمة، ومسيئة لصورة الجيش الحر والثورة، وهنالك اليوم جهود لإنهائها، بدأت بمدونة سلوك الجيش الحرّ. وما نرجوه أن نقرأ بياناً للعلماء المعتبرين، يخاطب الجيش الحر، ويطالبهم بالالتزام بأخلاق الإسلام في الصراعات والحروب.
بالرغم من ذلك، فلا يجوز وضع الجهتين في كفتين متقابلتين، فالحديث عن أخطاء بحق عشرات (هذا غير مبرّر بالتأكيد) لا يعادل مئات الألوف. وأرجو ألا ننسى أنّ الجيش الحرّ من دم ولحم، فمن وقعوا بأيديهم ارتكبوا جرائم لا توصف بحق النساء والأطفال والشيوخ، فالمساواة هنا بين الطرفين غير موضوعية ولا منصفة البتّة!
كل عام وسورية وطن حرّ أبي ديمقراطي، وقد عاد اللاجئون إلى بيوتهم وفك أسر المعتقلين، وخلص الناس من الجزار وجماعته.

[email protected]