لنتعلم من مأساة الطفل ريان

خالد دلال بلا شك هي تجربة عصيبة حد الموت، وقد كانت كذلك، أن يعلق طفل، لم يتجاوز الخمس سنوات من عمره البريء، في غياهب بئر على عمق عشرات الأمتار، وما تخلله من معاناة نفسية وجسدية جسيمة يعجز حتى أعتى الرجال عن مواجهتها، لكنها حكمة الله، ولا راد لقضائه. وللطفل المغربي ريان الرحمة، ولذويه السلوان. لكن الحدث الذي وقع في إقليم شفشاون المغربي، ورغم مأساويته بكل معنى الكلمة، قدم دروسا علينا جميعا التمعن بها حاضرا ومستقبلا. ولعلها حكمة الباري، عز وجل، أن حدث ما حدث لتتفتح قلوبنا وعقولنا، كل من موقعه، لما علينا توجيه بوصلة فكرنا وعملنا نحوه في قادم الأيام. ومنها أن على الدول، وقد بدأ بعضها، ومنها نحن، بردم الآبار المهجورة والخارجة عن الخدمة، حتى لا تتكرر مأساة ريان في مكان آخر من العالم. فالحياة أثمن من أن يسقط إنسان بواقع الصدفة، وبسبب الإهمال، في مجهول الأرض ليلقى حتفه! وقد تكاثر مؤخرا نقل وسائل الإعلام لقصص مشابهة، ومنها “انتشال فتى بعمر 16 ربيعا، تبين أنه فارق الحياة في مدينة حلب السورية”، في الأمس القريب، وقبلها بأيام وفاة طفل ليبي بالطريقة نفسها! ومنها أن وسائل التواصل الاجتماعي، في عالمنا العربي، والتي تلعب أدوارا سلبية في كثير من أمور الحياة، لا سيما اهتمامها، في كثير من الأحيان، بقضايا أقل ما يقال فيها إنها من صغائر الأمور، قد نجحت، ولها التقدير، في ممارسة الضغط على مراكز القرار وتحشيد الرأي العام والشعور الجماعي ولعب دور إيجابي في محاولة إنقاذ طفل، لم يكن لمأساته أن تحظى بتسليط الضوء عليها، لولا دور رواد مواقع التواصل وسيكولوجية الجماهير، على امتداد عالمنا، في ذلك. وهذا بحد ذاته درس على أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورا مجتمعيا كبيرا في تعظيم التعاطف البشري لقضايا عالمية ذات صبغة محلية. ومنها أنه يقع في صلب أدياننا السماوية مفهوم إماطة الأذى عن الطريق، تجسيدا لقول الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام: “وتميط الأذى عن الطريق صدقة”. وفي هذا منهج حياة يعزز أروع صور التضامن المجتمعي. وهو ما يجب أن نربي أنفسنا وأجيالنا المقبلة على الإيمان به سلوكا يوميا، بما يضمن، مثلا، التبليغ عن أي آبار مهملة عشوائية لتقوم السلطات بردمها، والتعاون مع الجهات المعنية لتأدية عملها حفاظا على سلامة الأرواح، وحتى لا تكون هذه الآبار قبورا لمن يقع فيها على غفلة. ولا بد هنا من التذكير بضرورة تطبيق العقوبات الرادعة بحق أصحاب الآبار ممن لا يلتزمون بردم غير العاملة منها بالتنسيق مع الجهات المعنية. لهذا كله وغيره، لكن المقام لا يتسع، فإن أقل ما نقدمه لروح الطفل ريان الطاهرة، رحمه الله، وغيره ممن واجهوا المصير المؤلم نفسه، أن ننتج فيلما عن قصته لتكون عبرة لنا على امتداد الحياة، ولعل خاتمتها تكمن في ما قام به كلبه الوفي، الذي رفض مغادرة قبر صاحبه حتى اللحظة، مرابطا ساكنا حزينا صامتا قريبا من صديقه وعيناه لا تفارقان قبره، وفي هذا درس في الوفاء نتعلمه في عصر أضحى الوفاء عملة نادرة للأسف. لقد شكلت النهاية المأساوية للطفل ريان حالة تعاطف عالمي، حتى أن أندية كرة قدم شهيرة بحجم برشلونة ومانشستر يونايتد وإي سي ميلان وباريس سان جيرمان وغيرها، قدمت التعزية والمواساة بالحادث المفجع. وهذا بحد ذاته يثبت أن التعاطف الإنساني المشترك هو أعظم أدوات البشر لإيجاد مستقبل أفضل للجميع، تجسيدا لقول الحائز على جائزة نوبل، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا: “إن التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا بعضا، وذلك ليس من باب الشفقة أو التسامح، ولكن كبشر تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل”. وفي هذا مكمن القول والفعل لمن عزم العزم.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان