لنخرج من عباءة "الصندوق"

أعتقد أن الحكومة بات بمقدورها بعد أيام من نشر مشروع قانون ضريبة الدخل تلمس ردة فعل الناس حوله، وبات لديها القدرة على مقاربة ردود الفعل التي جوبه بها قانون الضريبة المسحوب والمقدم من حكومة الرئيس المقال هاني الملقي، وردود الفعل الحالية على المشروع الجديد، والخروج برؤية واضحة وشفافه حول الموضوع.اضافة اعلان
بعيدا عن ردود الفعل العنترية التي ظهرت هنا وهناك، أو تلك الردود التي كانت أكثر رؤية وتأنيا، بعيدا عن كل ذلك، علينا ملامسة حقيقة واحدة ظهرت جلية من خلال الردود على المشروعين، وهي أن صندوق النقد الدولي يمارس ضغوطه علينا غير آبه بالوضع الاجتماعي والمشاكل الاقتصادية والسياسية التي قد يخلقها مشروع القانون، والتي قد تعود سلبا على الدولة بشكل عام.
المؤسف أن الصندوق الدولي يتحايل علينا غالبا، فهو نفسه الذي صرح أو سرّب إبّان الاحتجاجات الشعبية التي رافقت مشروع القانون السابق (المسحوب) أنه يتفهم الأوضاع الصعبة للمواطن الأردني وأنه لا يضغط على الحكومة لتمرير تعديلات بعينها، ولكن يظهر لاحقا من خلال ما يجري أن للصندوق القول الفصل بمشروع القانون سواء ذلك الموؤود أو الحالي، وبالتالي علينا ملاحظة أن حكوماتنا الحالية والسابقة والتي سبقتها وهكذا دواليك، ليس بمقدورها إدخال أي تعديلات جوهرية على قانون الضريبة ولا حتى تعديلات سطحية تستطيع بموجبها مغازلة مواطنيها، أو تمكينها من خلال تلك التعديلات السطحية من تمرير تعديلات جوهرية مهمة.
المفارقة أن حال الصندوق مع الحكومة كما المثل الشعبي المعروف (صحيح ما تقسم ومقسوم لا توكل .. وكل حتى تشبع)، بمعنى أن الصندوق يطلب ويشترط، وعندما يسأل عن الأمر، يصيح قائلا ببراءته مما يجري كبراءة إخوة يوسف من رميه في الجب!!.
مشروع قانون الضريبة بشكله العام عليه الكثير من الملاحظات المحقة، بيد أن الملاحظة الأساسية التي لا زلت مؤمنا بها، هي في جوهر الموضوع وليس في موضوعه، وهي ضرورة الخروج من ولاية وعباءة الصندوق والبنك الدوليين، وضرورة الالتفات والتفكير بأشكال أخرى للخروج من الأزمة الاقتصادية، فالصندوق يكرس ولايته ويخطف بالأثر قرارنا السياسي، وهذا أمر جد خطير لا نريده  وإنما نريد استقلالا اقتصاديا وسياسيا نمارس بموجبه قناعتنا السياسية ويكون بمقدورنا اتخاذ الموقف السياسي الذي نرضى به والذي يحقق مصالحنا في المقام الأول دون الالتفات لرأي أحد!
شخصيا أعتقد أن الحل يكمن بالخروج من عباءة الصندوق، والتفكير جديا بالاستدارة، وحتى لا أتهم بالسوداوية أو العدمية من قبل (وكلاء الصندوق) لدينا، فإنني أدفع بحل آخر جوهره تقديم حزمة مشاريع لقوانين ضريبية (قانون الضريبة، قانون ضريبة المبيعات) وخلافه من قوانين ذات أثر مالي، بحيث تقوم الحكومة وفي نفس الوقت الذي تقدم به ضريبة الدخل بتقديم قوانين معدلة لقوانين ضريبة المبيعات وغيرها، وبما يخفض الضرائب على الشرائح الفقيرة والمتوسطة، وأن تقدم للمواطن رؤية واضحة بحيث يكون معروفا للمواطن أن أسعارا مختلفة لسلع ارتكازية سوف تنخفض وأن المواطن سيلمس ذلك، وفي الوقت عينه محاربة الفساد والتوقف عن الحديث عن وجود فساد دون تقديم فاسدين للقضاء.
أجزم أن إدامة الحديث عبر منصات اجتماعية مختلفة مع الناس وصرف وعود لهم دون عكس تلك الوعود على الأرض يستنزف من رصيد الحكومة، وأعتقد أن إدامة حالة الارتجاف التي نلمسها بمعالجة قضايا آنية (قضية آل البيت، الفساد، وغيرهما) لن تمكن الحكومة من الذهاب بعيدا، كما أن عدم وجود شكل واضح للحكومة واعتمادها على الخليط بين الليبرالي والمحافظ والحراكي سيضعها أمام حالة لا مثيل لها ويجعلها كـ"السمك لبن تمر هندي".