لنروِ قصتنا للعالم

تقاس قوة الدول بعدة عوامل، ومنها قدرتها على تقديم مسيرة كفاحها إلى العالم نموذجا في التغلب على الصعاب عبر التاريخ، والاستمرار في عملية البناء والإنجاز رغم كل الظروف، والمضي بخطوات ثابتة نحو المستقبل جيلا بعد جيل. ومن هذا المنظور وحده، وهناك الكثير غيره، فإن لدينا في وطننا الأردن قصة نجاح تروى للعالم بأسره، عنوانها "مئوية الدولة".اضافة اعلان
ولعل أكثر الطرق أثرا وحفظا في التاريخ، حاضرا ومستقبلا، يكمن في كتابة سلسلة من عشرة أجزاء، يتناول كل جزء منها 10 سنوات من عمر الأردن المديد، لتشكل هذه المجلدات، والتي يجب أن تصاغ على يد ثقات من المؤرخين وكبار رجال الوطن علما وثقافة وخبرة وباللغة الإنجليزية، بوابة نقدم من خلالها إلى العالم بأسره مسيرة مائة عام من نضال وتضحيات الأجداد والآباء، منذ التأسيس إلى زماننا هذا، والذي يحمل فيه جلالة الملك عبدالله الثاني الراية بكل حكمة حتى أضحى الوطن مضرب المثل، إقليميا ودوليا، في صلابته على حفظ مقدراته وتعزيزها في منطقة تتلاطم فيها وما زالت أمواج الصراعات التي لن تنتهي، على اختلاف مسبباتها ومآلاتها.
وما يجب التركيز عليه عند التفكير بما تقدم، إبرازُ الثوابت الأردنية القائمة على الوسطية، وتعزيز السلام والاستقرار في العالم، والتعايش بين مختلف أتباع الديانات، وإغاثة اللاجئين، ومحاربة الفكر الإرهابي، ونبذ الصراعات، واحترام القيم الإنسانية الجامعة، وغير ذلك من الأمور التي ستصب في نجاح تقديم العمل للجمهور عالميا.
قد يقال إن هناك العديد من المؤلفات وأمّهات الكتب التي تحدثت عن تاريخ الوطن، وهذا صحيح، إلا أن معظمها جاء ليخاطب جمهورنا المحلي ومحيطه العربي، ولم تكن عالمية الغاية في المحصلة إلا ما ندر، إضافة إلى أن أغلبها لم يكن بالشمولية ليؤرخ مسيرة الدولة عبر 100 عام، في مضمون وإخراج تتسلسل فيه الأحداث زمنيا ومكانيا لتمنح القراء في مختلف أرجاء العالم، من دارسين وباحثين ومفكرين وعلماء في التاريخ والاجتماع والفلسفة وغيرهم، متعة المعرفة بتفاصيلها بطريقة ترسخ وتتجذر في ذاكرتهم، ما سيولد وبحد ذاته قناعات بشرية تتصدى تلقائيا لكل من امتهن تزوير الحقائق والتجني جزافا على الوطن خدمة لأجنداته ومصالحه، إقليمية كانت أم دولية، وهم كثر.
وقد يكون بالإمكان بعد ذلك أن نعمل على إخراج هذا المنتج التاريخي الحضاري في سلسلة وثائقيات تلفزيونية، محبكة التنفيذ نصا وعملا، لتكون نافذتنا، في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى المعمورة بالصوت والصورة، نقدم فيها تاريخنا موثقا كما نريد للعالم أن يشاهده ويسمعه، وهذا حق الوطن علينا.
تنفق الدول والشعوب الملايين عسكريا لحماية نفسها من الأخطار، وبالمقارنة، فإن كلفة ما تقدم من مقترح تاريخي ثقافي شامل، إضافة إلى إنتاجه وثائقيا، لن يشكل ربع إن لم يكن عشر ثمن طائرة عسكرية متقدمة، لكن تأثيره في كسب معركة العقول والقلوب على مختلف الجبهات أعظم، لأنه وببساطة سلاح العقل والمعرفة والتنوير بتاريخ وطن راسخ، قدمت قيادته الهاشمية وشعبه دروسا في الصمود والوفاء والكرامة، وفي مقدمتها تضحيات جيشنا الباسل، وإرث الثورة العربية الكبرى، على أرض فلسطين المباركة، وها هي أضرحة شهداء الوطن، رحمهم الله، ماثلة في مختلف القرى والمدن هناك.
لنروِ للعالم قصة مملكة أردنية هاشمية منيعة قدمت، وعلى الدوام، نموذجا يحترم في عقلانيتها واعتدالها وعدالتها في التعامل مع مختلف قضايا الأمم. فالحضارة تكتب بيد من صنعها، لنبني عليها ونتوارثها، وألا تترك لغيرنا، فلن ينصفنا أحد إن لم نقم بذلك بأنفسنا. ولنا في التاريخ عبرة.