لنعدل القاموس

معاريف زلمان شوفال 7/1/2020 ان معنى التصفية المركزة لقاسم سليماني رأس الاعمال الارهابية والتآمرية الايرانية في الشرق الاوسط والمنفذ للجهد الجغرافي الديني لتثبيت الهيمنة الايرانية في المنطقة واقامة قوة عظمى شيعية فيها اكبر بكثير من مجرد طرده من المنطقة. ولكن ما يزال من السابق لأوانه ان نقول اذا كان ينبغي أن نرى في ذلك تغييرا اساسيا في السياسة التي اتخذها الرئيس ترامب في السنوات الاخيرة مقابل الخط الانسحابي للرئيس اوباما بشأن الشرق الاوسط. ان الاخلاء الجزئي للجنود الاميركيين من سورية وما بدا كترك لحلفائهم الاكراد لمصيرهم، وعدم الرد على الهجوم على منشآت النفط السعودية وعلى الناقلات في الخليج الفارسي، وغياب الرد على اسقاط الحوامة الاميركية – كل هذه شجعت طهران على مواصلة استراتيجية التحدي للاميركيين. ومن خلال ذلك، تظهر ايران وزنها المتعاظم تجاه حلفاء الولايات المتحدة وخصومها امام انبطاح اميركا المزعوم. فالمناورة البحرية المشتركة لإيران، روسيا والصين قبل نحو اسبوعين في خليج عمان جاءت لتؤشر الى أن نفوذ اميركا في الشرق الاوسط، ولعله في العام بأسره، آخذ في الانحسار هدف يخدم مصالح هذه الدول الثلاث خارج السياق الشرق اوسطي. وذلك الى جانب سعي روسيا، رغم ضعفها الاساس، الى ان تبدو في صورة قوة عظمى عالمية وتحولها في السنوات الاخيرة لتصبح لاعبة ذات مغزى في المنطقة. ان عملية التصفية الاميركية، بل وقبل ذلك، الهجوم على قاعدة الميليشيات الشيعية في العراق وفي سورية وارسال مزيد من الجنود الى العراق جاءت، بالتالي، لوضع الايرانيين امام الخطأ الاستراتيجي. اضافة الى ذلك، سمحت العملية لدول الخليج العربية، حلفاء اميركا التقليديين، برفع القامة في فترة من القلق حول تصميم ونجاعة الحائط الوقائي الاميركي. رسالة اخرى من ترامب هي ان المس بالسفارة الاميركية سيعد مسا بأميركا نفسها – مقابل القصور الاميركي في موضوع الهجوم الارهابي على القنصلية الاميركية في بنغازي في عهد اوباما ووزيرة الخارجية كلينتون والذي قتل فيه سفير الولايات المتحدة في ليبيا. في هذه الاثناء، فإن الاوروبيين – بريطانيا، فرنسا والمانيا – مثلما هو حال الاوروبيين دوما، بدلا من أن يقفوا الى جانب الاميركيين دعوا "الطرفين" للامتناع عن التصعيد. كما أن المرشحين الديمقراطيين للرئاسة وقفوا ضد تصفية سليماني – خطأ سياسي ونفسي سيضاف الى اخطائهم الاخرى. قبل العملية الاميركية سارع المحللون، بما في ذلك في اسرائيل، الى البكاء على ما بدا في نظرهم كانصراف متواصل للولايات المتحدة من المنطقة، بينما كانوا ينثرون العلامات الجيدة على الاستراتيجية الايرانية. ولكن يتبين أن تقديراتهم كانت مغلوطة، جزئيا على الاقل، وفي تلك الاحوال سابقة لأوانها جدا. اضافة الى ذلك، لا ينبغي ايضا المسارعة الى الاستنتاج بأن ادارة ترامب ستدرج من الآن فصاعدا في سياسة العقوبات تجاه ايران بعدا عسكريا دائما ضد استفزازات طهران، إذ ان الرئيس مصمم بالفعل الا يعلق في حرب شاملة اخرى في الشرق الاوسط. ولكن القيادة الايرانية ايضا سيتعين عليها ان تعترف بأن استراتيجيتها فشلت، بعلمها، رغم التبجحات، بان المواجهة العسكرية الحقيقية مع الولايات المتحدة عديمة الفرصة من ناحيتهم تماما. يحتمل بالطبع أن نرى اعمال ثأر ايرانية كهذه او تلك ضد ممثليات اميركية مختلفة وضد حلفاء الولايات المتحدة، بما فيهم اسرائيل، ولا سيما من خلال وكلائهم، ولكن الوضع السياسي المشوش في لبنان والتهديد الحقيقي برد اسرائيلي مكثف كفيلان بأن يقلصا بل ويلغيا حرية عمل حزب الله في هذه اللحظة. وفقا لتقارير مختلفة، كان سليماني على بؤرة استهداف اسرائيل منذ اكثر من عقد. ولكن حكومة اولمرت امتنعت عن ذلك بضغط الاميركيين – ويحتمل أن يكون هذا في نظرة الى الوراء خطأ من ناحية الولايات المتحدة ومن ناحيتنا، إذ إن سليماني اصبح في هذه السنوات الشخصية السائدة والفاعلة في كل مكان ظهرت فيه البصمات العدوانية لإيران: بقاء بشار الاسد في سورية، السعي الايراني للسيطرة في العراق، الحرب الاهلية في اليمن، الاعمال الارهابية المختلفة ضد السعوديين وتحول منظمة حزب الله الى كيان عسكري. الكلمة الاخيرة لم تصدر بعد، لا من جهة الاميركيين ولا من جهة الايرانيين، ولكن في هذه الاثناء، في كل الاحوال، تغير القاموس.اضافة اعلان