لن تصمد الحكومة بهذه الطريقة


لن تصمد الحكومة إن بقيت في الخندق نفسه، وقبل النواب هناك جميع القطاعات والشرائح الاجتماعية التي تتحرك ضد مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل بمختلف الوسائل بما في ذلك الإضراب عن العمل، وبعد النقابات المهنية سنجد قطاعات أخرى تلوح بالتصعيد ونحن لا نجد حتى الآن قطاعا اقتصاديا واجتماعيا واحدا يؤيد القانون المعدل، فليس هناك فئة أو قطاع يريد أن يدفع أكثر، والتعديلات لم تنجح في إيجاد مصالح متعارضة أو متباينة حول التعديلات.اضافة اعلان
اسمحوا لي أن أكون محامي الشيطان لدقيقة، فأقول إن الحكومة لم ترتكب من حيث المبدأ جرما فظيعا في القانون المعدل (نعني مبدأ التوسع في ضريبة الدخل)، بل أخطأت في طريقة تطبيق هذا التوسع، فجعلته وفق رأي خبراء، أداة إحباط وليس أداة نهوض اقتصادي، ولا تجد أي فئة في أي تعديل مصلحة مباشرة أو غير مباشرة. والمواطن العادي الذي يعتقد أن الدولة تشلحه المال كل يوم بوسائل عدة ولا يريد أن يدفع المزيد، وعند مقارنة نسب الضريبة مع دول متقدمة يقول إن الخدمات التي تقدمها تلك الدول لا تقارن مع ما تقدمه دولتنا. لكن المقارنة للحقيقة تغفل جانبا آخر هو الفعالية الإنتاجية لمقدمي الخدمات في الدول المتقدمة قياسا لقلة الكفاءة والهدر في الوقت والموارد عندنا.
وكنت، في مقال سابق، قد استشهدت بإحصائيات توضح أننا في موقع متوسط بين الدول في نسبة الضرائب الى الناتج المحلي الإجمالي، لكن في النسب بين أنواع الضرائب، فنحن من أعلى الدول؛ حيث تفوق نسبة ضريبة المبيعات الى ضريبة الدخل معظم الدول، وهذا من سمات الفشل الإداري لأن تحصيل ضريبة الدخل هو أكثر تعقيدا ويحتاج الى إدارة أكثر كفاءة بعكس ضريبة المبيعات، ثم إن قلة الكفاءة تسمح بالتهرب الضريبي على كل الجبهات، لكن المواطن المستهلك يدفع ضريبة المبيعات من أول قرش حتى لو تهرب منها التاجر أو مقدم الخدمة؛ أي أن 100 % من المستهلكين الأردنيين يدفعون ضرائب بشكل أو بآخر، لكن مقدمي الخدمات والسلع لديهم حيز واسع للتهرب من ضريبتي المبيعات والدخل، والقانون لم يضع طريقة فعالة لمواجهة التهرب غير العقوبات.
مشروع القانون المعدل جعل من كل القطاعات عدوا له، فليس هناك قطاع واحد يجد لنفسه مصلحة في أي تعديل، وهذا ليس أمرا ذكيا، فكل تعديل تتضرر منه جهة يجب أن توجد مقابله جهة مستفيدة لمعادلة الضغوط وحتى لا تكون الحكومة يتيمة وسط محيط من الأعداء، ونشير الى واحد فقط من المقترحات التي كانت ستخلق فئة واسعة من المتعاطفين، وهو الإعفاء على الاستهلاك الذي يجعل كل المستهلكين أصدقاء للقانون. كان يمكن بدل تخفيض الإعفاءات الحفاظ عليها بل وزيادتها فوق الـ24 ألف دينار، ولنقل حتى إلى 36 ألف دينار، شرط أن تكون على النفقات داخل البلاد (وهذا يشجع على عدم الإنفاق في الخارج). المواطن العادي يقول إن دخله بالكاد يغطي نفقاته حتى تفرض عليه ضريبة دخل فوق ضريبة المبيعات، والجواب الصحيح هو: طيب كل نفقاتك معفاة لأنها دفعت ضريبة مبيعات وسنأخذ ضريبة دخل فقط على فائض دخلك إذا توفر. هذا القرار سيقلب المواقف والمصالح رأسا على عقب. والحكومة لا تعترض من حيث المبدأ على هذا، لكنها تتذرع بعدم القابلية الفنية للتطبيق، ونحن نرى بالعكس أن هذا ممكن إذا امتلكت الحكومة الإرادة والعزيمة، وهو ما نقترح عرضه للمناقشة والتقصي.