لوموا عيوب الديمقراطية الليبرالية على فوز أردوغان، وليس الناخبين

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزوجته أمينة يحتفلان بفوز الأحد مع الأنصار في أنقرة – (أرشيفية)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزوجته أمينة يحتفلان بفوز الأحد مع الأنصار في أنقرة – (أرشيفية)

سيمون جنكينز* - (الغارديان) 25/6/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كم هو عدد التحذيرات التي يحتاجها الليبراليون؟ يعني فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تسليم السلطة، إلى الأبد، لزعيم يحكم نحو 80 مليون شخص على الحدود الجنوبية لأوروبا. معارضوه مسجونون، وصحافته مراقبة ومقيدة، وسوف تمنحه إصلاحاته الموعودة سيطرة غير محدودة. وهو يحظى بالشعبية بطريقة لا يمكن إنكارها.اضافة اعلان
ما من جدوى من استنكار فوز أردوغان ببساطة، وبالتالي، إهانة الذين انتخبوه ضمناً. وقد أصبحت أوروبا تواجه الآن اثنين من الحكام المستبدين الشعبويين (والمتمتعين بالكثير من الشعبية ظاهرياً) عند تخومها الشرقية؛ إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويقابل هذين الرجلين قادة آخرون من "الرجال الأقوياء" المماثلين في كل من المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك والنمسا وصربيا.
لم تعد هذه الأنظمة مجرد انحرافات وشذوذ عن قاعدة، وإنما يبدو أن الشعوبية تصبح هي العرف عبر مجموعة من الدول في أوروبا الشرقية، والتي تتميز بالحكم الشخصي وكراهية الأجانب وقمع المعارضة البرلمانية والإعلامية. ويبدو أن تحذير تشرتشل من أن هناك "ستارة حديديّة تهبط" أصبح يعود ليطارد القارة -سوى أن الستارة الحديدية هذه المرة ليست الشيوعية السوفياتية، وإنما الاستبدادية الشعبوية.
لعل الطريقة الوحيدة المؤكدة لضمان تفاقم هذا الاتجاه هي أن يعمد غرب أوروبا ببساطة إلى إهالة اللوم والانتقاد بعدوانية. فكما هو واقع الحال في أميركا دونالد ترامب، لا يحب الناس أن يقال لهم إنهم أغبياء، أو عنصريون، أو نازيون مخدوعون عندما يصوتون لصالح ما يرون أنه يخدم مصلحتهم وهويتهم الوطنية. وهم لا يستمتعون بالنقد بشكل خاص عندما يأتي من البلدان الغنية التي يرون أنها تسرق شبابهم وتجبرهم على القبول باللاجئين الآسيويين والأفارقة بدلاً عنها.
قبل عامين، كان مسح القيم العالمي واضحاً تماماً بهذا الخصوص. فبينما كان المستجيبون الأكبر سناً (الذين تجاوزوا سن الستين) مصممين على أن الديمقراطية "ضرورية" لحياتهم، شاركهم هذا الرأي أقل من نصف الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة. ويعتقد ما يقرب من ربع "جيل الألفية" من الأميركيين الآن أن الديمقراطية هي "طريقة سيئة" لإدارة بلد. كما أن نحو سدُس الشباب الأوروبيين (نحو 17 %) يفكرون بالطريقة نفسها، وهو ضعف الرقم في العام 1995. وفي ألمانيا وإسبانيا واليابان وأميركا، يفضل 40 % من الناس بشكل عام "زعيماً قوياً لا يكون عليه أن يعبأ بالبرلمانات أو الانتخابات". ومن الواضح تماماً أن الإيمان بالديمقراطية بين شباب الغرب في تدهور.
تجلب حركة "موت الديمقراطية" المتفشية في الوقت الراهن الانتباه إلى إخفاق الناخبين في التصويت لصالح البرنامج الليبرالي/ الأممي -ومن هنا جاء فوز ترامب، وتمرير "بريكسيت" وصعود الأحزاب المناهضة للهجرة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا. لكن الخطأ، إذا كان ثمة خطأ، لا يكمن في الناخبين، وإنما يكمن في المؤسسات التي تفشل في الاستجابة لمطالبهم. وإذا كانت الحوامل التقليدية للمناقشة العامة -الأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام، والأكاديميون- لا تسمع أصواتهم، فإنهم سيتحولون إلى قادة يستمعون.
ليس الهجوم الغربي على الشعوبية هو الحل. إنه لن يغير وجهة الانتخابات، على الرغم من أن "قوة الغرب الناعمة" يمكن أن تحاول مساعدة البرلمانات المضطهدة والصحف المقهورة. وربما يكون التصرف الأكثر واقعية هو أن نصنع مثالاً، وأن نعيد التأكيد أن الديمقراطية لا تدور حول إضفاء الصلاحية للسلطة وإنما تتعلق بكبح جماحها. كانت الديمقراطية، منذ أرسطو، تدور حول تقييد "حكم الغوغاء" من خلال وضع الضوابط الدستورية وإتاحة النقد والمعارضة والتنوع وانتقال السلطة.
لعل الرسالة الحقيقية للانتخابات التركية هي أنه لا يوجد شيء حتمي في إقامة ديمقراطية ناضجة. إن الديمقراطية تحتاج إلى إنعاش متواصل في كل مكان. وتحتاج البرلمانات والأحزاب إلى التحديث. وتحتاج الحكومة المحلية إلى تحرير. وتحتاج التعددية الإعلامية إلى دفاع. وتحتاج هستيريا وسائل الإعلام الاجتماعية إلى الضبط. والشخص الواحد، والصوت الواحد، ولمرة واحدة، ليست ديمقراطية إنما استبدادية. وربما لا تعنينا تركيا في ذاتها، لكن أحوال الديمقراطية تعنينا حتماً.

*كاتب عمود في صحيفة "الغارديان".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Blame liberal democracy’s flaws for Erdoğan’s win, not the voters