لوين رايحين؟

حالة من الإحباط تسود في البلاد، وربما هذا هو السبب لتكرار سؤال "لوين رايحين" وهو بالمناسبة سؤال استنكاري، فثقة المواطن بالمستقبل تراجعت ومعها تراجعت الثقة بالمسؤول الأردني. وعلينا ألا نستغرب حالة الحنين العامة لشخص وصفي التل الذي يستحضره الأردنيون في إشارة واضحة لعدم بروز رجال دولة يمكن لهم أن يكونوا مقنعين في وقت تعتقد غالبية الأردنيين فيه أن البلد تسير بالاتجاه الخاطئ.اضافة اعلان
ينتابني شعور بأننا مقبلون على مرحلة حاسمة ستترك بصمة واضحة على شكل ومضمون ومستقبل الدولة الأردنية، وأخطر ما يمكن أن نجد أنفسنا فيه هو استمرار هذه الحالة من الغموض التي تكتنف المشهد السياسي والتي دفعت بالمثقفين والسياسيين إلى حافة التشاؤم. وهذا طبعا يستدعي أن يشمر الرسميون عن سواعدهم لمعالجة الاختلالات الناتجة عن السياسات الرسمية في السنوات الأخيرة.
في عاصفة الكاتب المسرحي الانجليزي ويليام شكسبير يتقدم انطونيو ويقول إن الماضي هو الفاتحة، وكأنه يقول إن المشهد معد تماما لتغيير جذري! وإذ كانت السنوات الأخيرة هي الفاتحة التي أعدت المسرح جيدا لمزيد من التراجع والنكوص وفقدان الأمل، فمستقبلنا سيكون قاتما! فتكاد لا تجد وزيرا واحدا يفهم دوره أكثر من موظف ينفذ تعليمات دون أن يكون له رأي فيها، وهو أمر بات واضحا لدرجة أن أغلب الأردنيين يرون بأن لديهم مؤهلات الوزارة.
هذا التهشيم الممنهج لمفهوم رجال الدولة سيضعنا جميعا في حرج، فمثلا هل هناك رجال دولة بالمعنى الحقيقي لديهم القدرة على مخاطبة الجماهير وإقناعهم بالخيارات الصعبة؟! طبعا المطلوب ليس حماية "رجال الدولة" من النقد أو تحصينهم – يمكن أن يقوم به قانون الجرائم الالكترونية المقترح – بل المطلوب إعادة الهيبة وهذا يستلزم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وإعلان الحرب على الفاسدين وعدم التستر عليهم.
وقديما قالت العرب شر البلية ما يضحك، البعض يأخذه خياله غير الخصب للتفكير بأن حل مشاكل الأردن يكمن بالموافقة على حلول تصفوية للقضية الفلسطينية على اعتبار أن في حوزة الأردن ورقة اللاجئين التي بدورها ستدر علينا اللبن والعسل! ولا يفهم هذا البعض أن مشروع الصهاينة في المنطقة سيكون في صدام مباشر مع الأردنيين حتى لو قدم الأردنيون شتى أنواع التنازلات للصهاينة. ولا نعرف بعد إن كانت بعض هذه التصريحات هي بالونات اختبار أم تعكس عجزا واضحا في فهم المرحلة وفي فهم الآخر.
في هذه الأثناء يطرح الدكتور عمر الرزاز مشروعه، ولنا هنا أن نسأل إن كان مشروعه يستند إلى إقصاء مدارس سياسية في الأردن ساهمت في بناء الدولة وفي ديمومتها قبل أن يحط علينا الليبراليون الجدد في مخططات التفكيك التي أجهزت على منجزات مؤسسية كثيرة. ولا نفهم مثلا لماذا الإصرار على توزير لون واحد فقط وهو ذات اللون الذي يدافع عن الرزاز وليس عن الحكومة وهو ذات اللون الذي لا يعرف تاريخ الأردن ولا يستوعب عواقب الإقصاء لأصحاب الرأي والخبرة والموقف.
ما يزال الأردنيون قابضين على وطنهم، وبالرغم من استفزازات الحكومة وانفصالها عن الشارع وبالرغم من تكريس تبعية مجلس النواب للحكومات غير المنتخبة وغير التمثيلية إلا أن الأردنيين يعضون على هذا الوطن بالنواجذ، وأجزم أنه لا يوجد أردني واحد يريد الشر بهذا البلد، وربما هذا هو موطن القوة الكامن الذي سيساعدنا على العبور إلى شاطئ الأمان.
الأردنيون يلتفون حول القيادة لتجاوز فترة الغموض وعدم التيقن ومقاومة الضغوطات الإقليمية لكن هذا أيضا يستلزم الانتباه إلى أن الحمل ثقيل وأن القوى التي تخدم تصورات وأجندات ليست وطنية لا يمكن لها أن تكون في موقع صنع القرار.