لو كنت رئيسا لمجلس النواب

مكرم أحمد الطراونة

هل أخطأ النواب ورئاسة المجلس في التعامل مع قضية النائب أسامة العجارمة؟اضافة اعلان
هذا السؤال شكل حالة جدلية في الشارع الأردني وبين المتابعين، وتم طرح الكثير من وجهات النظر المتضاربة تجاهه، حيث رأى كل شخص الأمر من زاوية معينة، زادت من الاختلاف الذي جر الدولة بأكملها نحو قضية يجب أن يكون عنوانها الوحيد سيادة القانون.
حسب ما أعرفه، فإن قرار اللجنة القانونية النيابية كان على طاولة رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات يوم الأربعاء مع توصية باتخاذ عقوبة وفق النظام الداخلي للمجلس، بيد أن ما حدث أن مساحة أعطيت لإجراء مباحثات تخللتها دعوة عشاء في سبيل إقناع النائب العجارمة بالاعتذار لزملائه، لكنه رفض، ليسفر الأمر عن قرار يوم الخميس بتجميد عضويته.
في الكواليس، كان هناك اتفاق مسبق على اعتذار النائب قبل دخوله الجلسة التي طلب فيها العجارمة من العودات أن يفصله. ما جرى أن العجارمة غير رأيه لدى بدء الجلسة، وفاجأ جميع أعضاء المجلس ممن كانوا يلملمون أوراق إغلاق الملف بانتظار الاعتذار. بعد ذلك عاش الجميع التطورات التي شهدتها الشوارع من تجمعات وخطابات، فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بما يحدث وكأنه لا توجد لدينا مشكلة سوى ما حدث في أروقة مجلس النواب.
هذا الأمر وضع الجميع أمام خيارات صعبة، وضاق أفق الحل، حيث عمت جموع النواب مكتب العودات يطالبونه بتطبيق المادة 160 من النظام الداخلي، وإلا سيتحمل مسؤولية "ضياع هيبة المجلس". وفي موضوع الهيبة أقوال وأقوال بحسب ما تحدث به مواطنون، خصوصا عند مقارنة ذلك بهيبة المجلس في ظل عدم تفاعل الحكومة مع مذكرة نيابية تطالب بطرد سفير دولة الاحتلال، وإن كان الأمران لا يستويان، حيث لمسألة طرد السفير اعتبارات تتعلق بالسياسة الخارجية الأردنية.
بعد فشل التهدئة، لم يكن هناك حل سوى تطبيق النظام الداخلي، ما وضع رئاسة النواب في حيرة ما بين التصويت على عقوبة العجارمة أو التغاضي عنها، حيث تكلفة الخيار الثاني كبيرة جدا، خصوصا أن الدعوات الرسمية والشعبية متواصلة من أجل تطبيق سيادة القانون على كل من يتجاوزه.
لست بصدد الدفاع عن موقف أي طرف في هذه المعادلة، لكن من وجهة نظر محايدة، أتساءل: ماذا لو كنت رئيسا لمجلس النواب؟ هل سأتجاوز عن المسألة مع كل المحاذير التي ستترتب على ذلك من التفريط بسيادة القانون، واحترام المؤسسة البرلمانية، خصوصا بعد فشل كل محاولات التهدئة!
هل يمكن تجاوز مطالب غالبية النواب بتطبيق النظام الداخلي، وقد قال النواب لرئيس المجلس "بدك تفرط بهيبتنا"، وقد كانوا مسبقا قد لاموه لعدم استماعه لمطالبهم باتخاذ إجراء بحق النائب ذاته في قضية المصنع، التي روعي حينها أن النواب جدد، وبخبرات متفاوتة ومتنوعة، وعدم معرفة أغلب النواب بالنظام الداخلي للمجلس.
أو هل ألجأ إلى التمسك بالقانون وسيادته، وتحمل تبعات ما حدث من رفض شعبي لقرار تجميد النائب العجارمة؟ ربما لو كنت رئيسا للنواب فإنني لن أتوانى عن الذهاب إلى هذا الخيار تحت أي ظرف من الظروف.
اليوم، لا خيارات كثيرة أمام الجميع؛ إما سحب فتيل الأزمة عبر التهدئة المرتبطة بتقديم اعتذار مكتوب أو شفوي، والكرة هنا في ملعب النائب العجارمة الذي يرفض حتى هذه اللحظة هذا الخيار، أو الذهاب إلى تصعيد نيابي مجددا، عبر اللجوء إلى النظام الداخلي مرة أخرى واتخاذ عقوبة جديدة جراء ما حدث في الشارع والتجمعات.
الأسلم لدولة تنظر اليوم إلى موضوع الإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي نظرة فاعلة وحقيقية ومرتبطة بمدد زمنية، أن ينتهي ملف مجلس النواب عبر تهدئة من خلال اعتذار، ولا ضير من أبناء العشائر الأردنية أن يقودوا حوارا مع العجارمة لدفعه بهذا الاتجاه.