ليتني ما كنتُ أوسم من عادل إمام!

أنا نادم، وفي حياتي، التي لا تتعدى عقودها أصابع يد مبتورة أطرافها، لم أندم حد الرغبة بالتهام كفي إلا عندما تركتُها تذهبُ، وتتأخر في وداعي عاما كاملا، تمعنُ في حفر صورتها وتفاصيلها لتجعل من خيالي قالبا لها أركبُ عليه النساء؛ مَنْ على مقاسها تبقى، ومن تكون أقل شأنا من قامتها الصغيرة تسقط سريعا!

اضافة اعلان

كل يوم أحدِّق في أصابع كفي، وأندم لجُبْني على عدم التهام واحد منها، علَّ مكانه الفارغ يقرعني لأنني لم أستبق امرأة، جعلتني أبكي كالنساء أنثى لم أحفظها كالرجال حين "استعجَلَتْ الزواجَ"؛ وكنتُ أخف كثيرا من عبئه..!

لكنني لم أفرط في التعذيب المازوشي، فبعد عام تركتني تماما، وكنتُ خلاله أُشهِرُها للناس، وأصيغ حكاياتنا في قصص تخففني من وقاري الزائف، ذلك الذي جردتني منه طفلة في الثالثة والعشرين، تبتهجُ حين أوجزها بأنها "صْغَيِّر وملعَّبْ"، وأنها أيضا امرأة "خطيرة الأوصاف"، من فصيلة سعاد حسني، ترقص بدلال "زوزو" تطير فتنتها مع الهواء، تفرِّغ بالي إلا منها، فأركض "على أعصابي" ولا أبلغها إلا حين أصيرُ "واد وتقيل"!

هكذا كنتُ دائما مهزوما؛ وحين أهزمها في مرات قليلة، أدوخُ وراءها، أرجوها أن "تكبِّر عقلها"، وأقسم، صادقا، أن النساء بأثرها "ذرّات رمال"..؛ فتضحك ضحكتها التي تختصر الدنيا في رأسي، ليبدو خفيفا، وأخف من دمعة ضحوك، تباغتنا ونحن نشاهد فيلم "المشبوه"، ويكون "دلعها" على اسم سعاد حسني. تمتلئ، ويصبح صوتها، المميز في نحوله، أشد رِقة؛ فـ "بطة" أصبحتْ "ساندريلا"..

أبتسم بلؤم مُبَيِّتا لها نكدا بالغا؛ أكررُ قسمي أنها جميلة، لكنها ليست أخطر من سعاد حسني، وإمعانا في هزيمتها أقر أنني لستُ وسيما، لكنني، بأدنى حال، أكثر وسامة من عادل إمام!!  

"يا دِبْ" تقولها بغيظها الشهي، فأضحكُ كثيرا؛ لكنني الآن نادم، ففي الفيلم ذاته يدعو عادل إمام "بطة"، أو سعاد حسني، إلى فراشه فتمتنع غاضبة، مفضلة النوم على "الكنبة". يتجهمُ ساخرا: "خليها تنفعك"!

وعادل إمام، أو أنا من نامَ على "الكنبة" في الواقع، لا في الفيلم، فتمضي سنوات قليلة، أكونُ خلالها أثقلُ من عبء الزواج، ويصير بإمكاني أن أشتري سريرا واسعا، لكني أدركُ أنه لا يستوعبني وحدي..!

أعود إلى "الكنبة"..، أجلسُ عليها إلى الآن، وكنتُ قد شربتُ شايا مع النساء، وغادرْنني سريعا، ولم أسعَ لاستبقاء واحدة منهن، وفضلتُ النومَ مقرفصا على "الكنبة" أنظر إلى أصابعي الرقيقة أحاول التقاط لحظة شجاعة تحثني على قضم واحد منها، علّ من فراغه تنبتُ "بطة" ضاحكة، وأحارُ إنْ كانت ساخرة أو متعاطفة؛ فهي عندما كانت تنتصرُ علي، وكثيرا ما كانت تؤول إليها النتيجة في عنادنا اللذيذ، تمدُ كفها إلي كي أقف..، وتستبقيها حتى أقبِّلها!

.. وأقبِّلُ الآن باطن كفي المكتملة الأصابع!

لكنني ما أزال أواظبُ على لقاء نساء، أكون خلال حديثي غير المترابط معهن، أنظرُ إلى هاتفي، أترقبُ أنْ يرنّ بأغنية محفوظة باسمها؛ كنُا نتحدى من سيُسْمِعُها للآخر حين يؤوب نادما. ترن كل الأسماء التي أحفظها بأغنية واحدة، فلا يصدحُ صوت المغني شامتا:" قول رجعت تاني ليه يا حبيبي"!

ويرنُّ الهاتف، بالأغنية التي أحفظها لكل الأرقام، حتى ذلك الذي يخدعُني كل أشهر، وفي كل مرة يأتي برقم خاص بلا ملامح، يجيء مباغتا مثل حلم سريع لا أتذكر منه إلا صوتها..، وصوتها جاءني أخيرا ملأ الدنيا في رأسي. أحمل الهاتف بكفي، المكتملة الأصابع، لا أملك إلا أن أقبِّل صوتها، وأقسم أنها "بطة"، وأجمل من سعاد حسني، وأنني نادم، أشد الندم، لأنني أوسم من عادل إمام!!

[email protected]