ليست قضية مخصصات أسرى وشهداء

بدل أن يكون الحديث الآن عن إطلاق الإسرائيليين الدفعة الرابعة التي كان من المقرر إطلاقها، في سياق إعادة إطلاق المفاوضات في عهد الإدارة الأميركية السابقة، والحديث عن باقي الأسرى. فإنّ الحديث الآن عن إمكانية وقف السلطة الفلسطينية تقديم رواتب لعائلات الشهداء، ورغم نفي مسؤولين فلسطينيين لذلك، إلا أنّ المناقشات الدائرة بالغة الخطورة. والموضوع ليس فقط أسر هؤلاء الشهداء والأسرى، ولكن أنّ عدم النظر لهم كجنود حركة تحرر، سيعني ضربا لكل فكرة الحق الفلسطيني. اضافة اعلان
بعد سلسلة إشاعات، أو أخبار مشوشة وغير مؤكدة، عن وقف أو تأخير رواتب أسرى محررين، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الثلاثاء الفائت، أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، أنّ السلطة الفلسطينية، وافقت على وقف "الدفعات" المخصصة "للشهداء"، وقال تيلرسون، "لقد غيّروا سياستهم، على الأقل تم إبلاغي أنّهم غيروا سياساتهم"، وقال "لديهم النية لوقف الدفعات لأفراد عائلات الذين قاموا بجرائم عنف ضد آخرين".
كان تصريح عيسى قراقع، رئيس هيئة الأسرى، في مكانه الصحيح، ومناسب، تماماً، وهو يقول إنّ هذه التصريحات عدوان ضد الشعب الفلسطيني. ويجدر تعميم هذا الخطاب والإصرار عليه. 
بعد سلسلة الإشاعات ووتصريحات تيلرسون، بات ضروريا أنْ يصدر من القيادة الفلسطينية، تصريحات لا تنفي الأخبار وحسب، بل تؤكد على أنّ الشهداء والأسرى هم طليعة الشعب الفلسطيني، وتحديداً طليعة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، والإشارة أنّه عندما رعى العالم ووقّع اتفاقيات أوسلو، وما تلاها من اتفاقات، فهو وقعها مع حركة التحرر، التي يجسد هؤلاء قادتها وطليعتها وجنودها. ومن يتحمل استمرار سقوط الشهداء، ووجود أسرى جدد، هو الاحتلال بالدرجة الأولى، وتخاذل المجتمع الدولي عن فرض نهاية للاحتلال بالدرجة الثانية.
عدا عن تصريحات تيلرسون، وإشاعات وقف مخصصات الأسرى، بدأ الكنيسيت الإسرائيلي النظر في قانون يقتطع نحو 300 مليون دولار سنوياً، من عائدات الضرائب المفروض ردها للسلطة الفلسطينية، مما يُقتطع من الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون، باعتبار ذلك بدل قيمة ما يُدفع لأسر الشهداء والأسرى.
وكذلك كان هناك مؤخرا وقف لمساعدات مقررة لمركز مجتمعي في قرية برقة في نابلس، من قبل كل من الأمم المتحدة، والنرويج، والدنمارك، والسبب الوحيد، أنّ المركز النسوي، سيحمل اسم الفدائية الشهيدة، عام 1978، دلال المغربي.
 الذي يثير مثل هذه القضايا، لا يتبنى فقط ما يمكن تسميته خطة إشغال، وإنهاك، للفلسطينيين والعالم، بدل التوصل لاتفاقية سلام، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك، ويتعدى بخطورته عملية التسوية، إلى ضرب جوهر فكرة الحق الفلسطيني بالمقاومة، وإذا أثيرت شكوك حول هذا الحق، ستثار تالياً شكوك حول مجمل الحق الفلسطيني.
فضلا عن هذا البعد السياس والوطني، فإنّ تقديم الدعم لأسر الشهداء والأسرى أمر ليس سياسياً ووطنياً فقط، بل هو جزء من الأمان والضمان الاجتماعي. ففي كثير من دول العالم تحصل أسر تفقد معيلها بغض النظر عن سبب ذلك. والأهم أنّ إرهابيين إٍسرائيليين، وبعضهم اعتبرهم القانون الإسرائيلي مجرمين، يحصلون هم وعائلاتهم على تكريم، ودعم، ومساعدات. من هؤلاء الضابط الاحتياطي في الجيش الاسرائيلي باروخ غولدشتاين، الذي قتل عام 1994، أثناء صلاة الفجر في المسجد الإبراهيمي، في الخليل، 29 فلسطينياً مصلياً، ولديه الآن قبر، يعتبر مزاراً، في ساحة خاصة لتكريمه، في حديقة تحمل اسم الإرهابي مائير كاهانا. وهناك إيغال عامير، الذي قتل اسحق رابين، عام 1996 بسبب دوره في اتفاقيات السلام، وعامي بوبر، الذي قتل سبعة عمال عرب، وهو يلبس ملابس الجيش الإسرائيلي، وبعد أن أجبرهم على الركوع، وكلاهما يأخذان مع عائلتيهما مساعدات وتسهيلات ودعم من الحكومة الإسرائيلية، ويسمح لهما بالزواج والإنجاب داخل السجن، فضلا عن الإجازات في الخارج.
يحتاج الفلسطينيون شن حملة مضادة، عالميا، لوضع الأسرى والشهداء في موقعهم الحقيقي كأبطال وجنود حركة تحرر، ثم فضح التكريم والدعم الذي يقدم للإرهابيين الإسرائيليين.  وعلى العالم ومن ضمنه الولايات المتحدة، أن يدركوا أنّ هؤلاء جنودا كانوا في الصراع، وفقط بإحلال السلام تحل قضيتهم. وأن يدركوا مثلا خطورة الرسالة التي يقدمها، لهم وضدهم، عندما تصل "حماس" لصفقة تبادل أسرى، إذ ستكون الرسالة هي "القوة هي الحل.. اتفاقات السلام وهم".