ليست نموذجا جاذبا

التظاهرات الحالية في إيران تختلف عن احتجاجات "الحركة الخضراء" في العام 2009، حيث كان الطرف الأساسي المشارك في الأخيرة الجناح الإصلاحي، لكن القمع الشديد والممنهج الذي تعرض له رموز هذا التيار وقياداته وقاعدته الشعبية الواسعة ومؤسساته، عقب 2009، أفضى في الحقيقة إلى تجريف واضمحلال هذا التيار، وصرنا في إيران في السنوات الأخيرة أمام تيارين رئيسيين: الأول أصولي يسيطر على مقاليد الحكم والأمن والسياسة والاقتصاد بشكل شبه تام، والثاني تيار وسطي معتدل، أقل راديكالية، يحوز قدرة انتخابية، لكنه لا يوصف بالإصلاحي، أي أنه لا يريد إصلاح النظام من خلال إصلاح العلاقة بين الثورة والدولة لصالح الأخيرة ( وهو ما كان يدعو له محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي وغيرهم)، وإنما القيام بإصلاحات محدودة من دون تجاوز الخطوط الحمر؛ التي ينسجها التحالف الحاكم بين مؤسسة المرشد علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني، وهذا التحالف يستفيد من الصورة التي يقدمها للخارج، وخصوصاً للغرب، فريق روحاني وجواد ظريف وغيرهما، بوصفهما وجوهاً معتدلة، تختلف عن صورة خامنئي ومحمد علي جعفري (رئيس الحرس الثوري). بمعنى آخر، فإن الرئيس روحاني لا يسير على نهج خاتمي-كروبي-مير موسوي، وإنما هو وسطي معتدل من داخل النظام، ولا يعارضه جذرياً، ولا يخرج عليه، ولا يعترض على ثنائية الثورة- الدولة في إيران، وكيف له ذلك وهو ابن مجلس الأمن القومي وأمينه العام السابق؟ هذه التظاهرات تجيء في ظل حالة السيولة التي يعيشها النظام الإقليمي والتحولات الدراماتيكية في موازين القوى والفاعلين الرئيسيين وشبكة التحالفات والاصطفافات. هي تأتي أيضاً في ظل إدارة أميركية ترفع شعار ضرورة منع إيران من زعزعة الاستقرار الإقليمي، وذلك على عكس إدارة أوباما، التي لم تقدّم دعماً حقيقياً لـ"الحركة الخضراء" في 2009. ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مؤثراً في التظاهرات الحالية. لقد اتضح أن الهتافات ضد الفساد والركود الاقتصادي، ومعها الاحتجاجات ضد "حزب الله" واحتضان المليشيات الطائفية التي يرعاها تحالف المرشد-الحرس الثوري في المنطقة العربية، وصلت حدّ الاختناق، وعبّر الإيرانيون عن ذلك بهتافاتهم "الناس يتسولون، ورجال الدين يتصرفون كالآلهة". التظاهرات دليل جديد على أننا أمام دولة تتمدد في الخارج معتمدة على مليشياتها، وتعاني الاختلالات والأزمات والإخفاقات في الداخل، وهذا ما سيبقيها بعيدة عن أنْ تشكّل أي نموذج جاذب لمحيطها الإقليمي.اضافة اعلان
إن أي سيناريو خاص باستشراف مآل التظاهرات الحالية في إيران، محكوم بمحددين، على الأقل:
الأول، مدى استمرار كثافة المنخرطين في الاحتجاجات، إذْ لا يمكن في ظل السلطوية الإيرانية وإغلاق المجال الإعلامي في إيران وعدم انفتاحه على وسائل الإعلام المحايدة أو الخارجية، تقدير الأعداد الفعلية للمتظاهرين، أو تقدير حجم الاحتجاجات ومدى تشكيلها ضغطاً على النظام.
الثاني، أنه في ظل القمع الشرس الذي يتوافر لدى النظام الإيراني، من الصعب معرفة مدى قدرة هذه المظاهرات على الديمومة والصمود واستجلاب المساندة من قوى من الداخل، والقدرة على التأثير وفرض الشروط. حتى الآن يبدو أن السيناريو المرجّح هو تمكّن السلطات الإيرانية من قمع التظاهرات وإخمادها، وبالتالي شراء الوقت، على غرار ما حدث في 2009، وفي ظل عدم مساندة أي أطراف داخلية وازنة للمتظاهرين، فإن المرجّح تراجع حدة المظاهرات، جرّاء اتباع النظام سياسة مزدوجة تقوم أولاً على قمع السلطات للمتظاهرين، بوصفهم "تجمعات مخالفة للقانون"، و"مجموعات مدعومة من الخارج ومعادية للثورة تحاول إثارة الاضطرابات في البلاد"، على ما صرّح مسؤولون إيرانيون، وتقوم ثانياً على استجابة حكومة الرئيس روحاني لبعض مطالب المحتجين ذات الأبعاد المطلبية، وربما التراجع عن بعض السياسات التقشفية أو زيادة الأسعار.