ليس دفاعا عن "الإخوان" بل إنصاف لهم

يمكن لكل متابع للحراك الداخلي الأردني أن يقوم بتحقيب المراحل سياسيا، وقد يختلف التحقيب أو عنونة المراحل سياسيا من شخص إلى آخر، ولكن ذلك يعبر عن زوايا النظر المختلفة التي ينطلق كل شخص منها لقراءة تلك المرحلة الزمنية سياسيا.

اضافة اعلان

وإذا أردت المغامرة وعنونة المرحلة القصيرة منذ منتصف تموز حتى الآن، فإني سأعنونها بالتهجم (الأحمق) على الإسلاميين، الممثلين بالإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث انبرى كثيرون للهجوم على الإسلاميين بسبب مقاطعتهم للانتخابات النيابية، محاولين التفذلك عبر دمج ما يعتقدونه (معلومات مؤكدة) وما يسوقونه على أنه (تحليل سياسي)، من دون امتلاكهم للمعلومات وفقدانهم أدوات التحليل السياسي.

بل يبدو كل من يحاول التهجم على الإسلاميين وكأنه فقد أبجديات المنطق في التحليل، حيث يحاول معظم من يقترب من هذه الدوامة التأكيد على أن الإسلاميين فقدوا قاعدتهم الشعبية التي كانوا يستندون إليها، وبالتالي فقدوا فرصهم كي يظهروا بحجم الحزب الذي يدعونه، وإذا كان أصحاب هذا الرأي مقتنعين به فلماذا يواصلون التهجم على حزب (تقزّم) كي يدفعوه للمشاركة بالانتخابات، قبل الثاني عشر من تشرين الأول، ولـ(معاقبته) على المقاطعة بعد ذلك التاريخ.

المقاطعة الإخوانية تشكل بوابة جديدة لعودة الإسلاميين إلى ساحة التأثير المباشر في الحراك السياسي اليومي والاستراتيجي الأردني، وتعدد التيارات داخل الجماعة والجبهة ليس مؤشر انقسام، كما يحاول كثيرون ممن استسهلوا التحليل السياسي مع افتقادهم لأدواته، بل دلالة دخول الجماعة والجبهة معاً مرحلة متقدمة من إرهاصات تغيير جوهري في نظر الجماعة والجبهة لدورهما في المشاركة بتأهيل الأردن والإسلام السياسي (الشآمي والمشرقي) بإنتاج شكل جديد له يساعده على ولوج السياسية بمحاذيرها ومطباتها (الأخلاقية والقيمية) من دون التأثير على المرجعية ذات الثقل الديني والأخلاقي، التي تشكل في الحقيقة القيمة الضرورية لاستمرار الحراك السياسي.

عدم القدرة على تتبع حالات التغير الجذرية التي ستظهر كنتيجة حتمية للتفاعل الحر بين التيارات والأفكار داخل الجماعة والحزب، مع وجود تجارب مرجعية راسخة ومدروسة كالنموذج الباكستاني أو الإيراني أو التركي، وهذا الأخير صار له أتباع ومنظرون داخل الحركة حيث باتوا يشكلون تياراً، سيحرم الدولة من التأثير في الحالة الإسلامية السياسية، ما سيفاجئ كثيرين ويجردهم من أدوات التجادل والتفاعل، فلا يملكون غير وسيلة واحدة للتعامل مع المنتج الإخواني، وهي التصادم مع المشروع المطروح، وهو ما سيولد حالة احتقان قد تكون شرارة تهديد للسلم الأهلي والسياسي. الاحترام للحالة الإخوانية من حيث حيويتها في إنتاج الأفكار والتيارات والقيادات لا يعني بأي شكل من الأشكال التوافق مع طروحاتها أو الموافقة عليها من باب أولى، بل احترامها يعني أننا نعي ما يحدث من تغييرات داخل الحركة وقدرتنا على محاورتها وبناء موقف سياسي قد يتقاطع مصلحيا مع الحركة في نقاط محددة ويفترق أيدولوجيا وعقائدياً عن مشروع الإخوان، من دون أن يعني ذلك التصادم المفتعل أو التهجم غير المسؤول عليهم.

قال القدماء الحكماء، حين تدخل معركة عظم من خصمك وزده عددا وعديدا، حتى إذا ما هزمته تكون قويا لانتصارك على القوي، وإذا لم تجد عليك السماء بالنصر واختبرتك بالهزيمة، تكون خاسرا محترما لأن من هزمك ذو قوة وحيلة.