ليلة شتاء ثلجية

ما يزال أهل الأردن يظنون بالثلج ظن الخير! يبقون يترصدون أحلامهم الشتوية بأنه ثمة ذكريات سوف يروونها للأعوام المقبلة، وصور توثق حالات الانبهار المتدرب عليه، بلحظات مخطوفة من البرد الشديد، والغصات التي تلهب الحلق وآلام صدر من قسوة الصراخ المكبوت. لحظات لربما تنعش الأمل في النفوس بأن الحاضر أصبح عادلا مع الجميع، إن كان كله أبيض.اضافة اعلان
يستشعر الشباب أطراف البرد القارس من الشوارع وأسطح البيوت، وهم يدخنون السجائر بعيدا عن الغرف المغلقة بإحكام، ويفركون أكفهم الحمراء أمام مواقد الحطب المنسية على الطرقات. وتستبشر الصبايا بنفحات الهواء على زجاج النوافذ ويمحين بسرعة البرق حروف الأسماء المخبأة تحت لفحات الصوف يدوية الصنع، كن قد رسمنها في غفلة عن الأهل المشغولين بأشياء شتوية أكثر.
تنعقد الآمال حول فرن المطبخ، للأسر المحظوظة التي ما تزال تملك رفاهية الاختيار ما بين طبقين وأكثر، ولا تغيب عن الأسر الأقل حظا، تحبس أنفاس صغارها حتى اليوم، رائحة الشاي الساخن في الأباريق المعدنية.
وتبدأ الكتابات بالميلان قليلا نحو الحب والشوق والشغف. وتخف حدة ألوان الصور، لتتواءم مع بياض قادم يمحو ذاكرة الخطوط الغامقة.
على الرغم من قسوة البرد هذا العام، وغرور محطات التزود بالوقود ودكاكين الغاز، إنما في النفس هفوة إلى ما يزيح هذا الضباب بعيدا ولو لساعات، يتسابق فيها الناس لإعلام الآخرين بأن الثلج ها هو على أبواب بيوتهم التي لا تدفأ لها حيطان أبدا. يحتارون في زوايا تصوير كاسات الشاي بالميرمية، وكيف لها أن توصل الرائحة إلى الشاشات.
يتسابق الأهالي في التقاط هفوات صغارهم وهم يتعثرون في البياض، وفي خلفية الفيديوهات ضحكات أو شتائم، غير مهم. المهم أن نرصد الذكريات ونعيد استجلابها كل عام ونحن نضحك!
ما يزال أهل الأردن يعتقدون في العطل جدا! ويتحينون لحظة الهطول الكثيف، ليطالبوا بتعطيل المدارس والجامعات والعمل، خوفا من الانزلاقات. وهو خوف مرتب محفوظ عن ظهر قلب، بدون أن يجربه غالبية الناس لكنهم يستأنسون بتذكير الدولة به، ليبقوا ذلك النهار في البيوت، لا يفعلون شيئا أكثر من البحث عن دول أخرى يداوم فيها البشر، في عز الهطولات الثلجية، ويعايرون الآخرين بها!
لربما تكون سُنة طيبة تلك التي يسترق فيها الأردنيون ساعات للطمأنينة والدفء البيتي، المعجون بلا شك بمناوشات الكبار والصغار، وطلبات كسولة لا تنتهي، ومكائد عائلية سخيفة فقدت مكانتها منذ سنين، بعد أن انشغل كل فرد من الأسرة بجهازه وهو محني الظهر.
إنها فرصة إذا ليرفع الجمهور رأسه هذه المرة، باتجاه وجوه مألوفة أليفة وجميلة، يتبادلون فيها ما شاهدوه للتو على مواقع التواصل، ويتنافسون في الأسباق الخبرية والنكات والفيديوهات، والتي جميعها سوف تنطفئ مع بزوغ النهار الجديد، فلا تعود ذات قيمة أو أثر بعد انقضاء ليلة شتاء ثلجية.
وبالمناسبة، ففي هذا النهار التالي المشمس، يتجلى خطر الانزلاقات التي كانوا قد ثرثروا بها مساء أمس!