لينصهروا

جدعون ليفي

هآرتس - 10/9/2009

جويل باين - ضائع. جوش فيلدمان ايضا ضائع. صورتاهما اللتان تشبهان صور المجرمين او المفقودين علقتا في حملة اعلانية جديدة. وديوان رئيس الوزراء والوكالة اليهودية طرحا حملة "مفقودين". ومكتب الاعلانات الذي كان مسؤولا عن حملة التخويف "دولة اسرائيل تجف" يوجه ضرباته مرة اخرى، وفي هذه المرة يخيفوننا من الانصهار.

اضافة اعلان

"اتصلوا بالحملة" اقترح صاحب العقل اليهودي من وراء هذه الحملة مطالبا اليهود بأن يعلموهم عن اليهودي الذي يتزوج لا سمح الله من غير يهودية (ليغمرنا الله برحمته)، وهم بدورهم سيعرفون كيف يعالجون ذلك. هذه كانت حملة عنصرية تثير الاشمئزاز والنفور. ولم تكن مجرد خطوة وشاية، منفرة بحد ذاتها وإنما بالاساس مضمون لحملة تخويف شوفينية تم تخفيفها في الوقت الحاضر إثر ردود الفعل التي اثارتها. اليهودي الذي يتزوج من غير يهودية ليس "مفقودا" ومن المحتمل ان يكون سعيدا وثريا. والاعتقاد بأن هذه الدعاية الرخيصة ستثنيه عن حبه وعقيدته او عن قلة ايمانه، هو اعتقاد ظلامي، فليس هناك شعب الآن يشن حملات تخويف كهذه. والشعب اليهودي لم يعد بحاجة لها ودولة اسرائيل لا تمتلك حق شن مثل هذه الحملات.                  13 مليون يهودي في العالم، 40 في المائة منهم يعيشون في اسرائيل و 40 في المائة في الولايات المتحدة. والاسرائيليون يمرون في عملية بلورة هوية جديدة لا يمكن لاية عملية انصهار ان تتغلب عليها. اما بالنسبة لباقي اليهود في العالم فإن رغبوا فلينصهروا وان لم يرغبوا فلا ينصهروا. على اسرائيل ان تبقى بالنسبة لهم ملجأ او خيارا للهجرة. الحياة في اسرائيل اصلا خطيرة بالنسبة لليهود اكثر من اي مكان آخر في العالم والحياة كأقلية غير يهودية في اسرائيل أسوأ بدرجة لا تقارن من حياة الاقلية التي تعيشها اغلبية الجاليات اليهودية في العالم. الاعتقاد بأن "سنة في اسرائيل ستجعلك عاشقا لها طوال العمر" كما يقول الشعار الدعاوي مضلل وخداع: اليس هناك سياح زاروا المكان يهودا وغير يهود، اقسموا بعد ذلك بأن لا تطأ قدمهم هذه الأرض مرة اخرى؟ إن العنف والغلظة والجشع المادي والتطرف الوطني الشوفيني والنزعة الحربجية والعدوانية والاحتلال ليست امورا جيدة بالنسبة لاي احد.

صحيح ان كل الحملات الدعاوية الرخيصة التي تنظمها الوكالة اليهودية، "تغليد" و "التجربة الاسرائيلية" او "حملة" تحاول بأي ثمن إظهار اسرائيل بصورة جميلة وعادلة وقوية، ولكن التقاط صورة في زي الجيش الاسرائيلي، وزيارة سديروت، وحتى الزواج الجيد مع اسرائيلي، كلها امور لا تضمن شيئا. وان كانت اسرائيل جميلة وعادلة حقا فليست هناك حاجة لاية دعاية كانت. وطالما انها كذلك فلن يجدي كل الدعاويين نفعا. من الافضل لنا ان ننصهر وان نكون اصدقاء حقيقيين لاسرائيل على ان نكون يهودا مناصرين واصدقاء للاحتلال.

لقد آن الأوان لننضج من هذه التفاهات. نصف ابناء الشعب اليهودي في حالة انصهار على اساس خيارهم الشخصي وهذا حقهم الكامل وليس من حق احد ان ينتقد ذلك. هم ليسوا "ضائعين" خصوصا وبالضرورة ليس اكثر ممن تزوجوا يهودا مثلما نرغب ونضغط. ان انصهر يهود الشتات جزئيا فلن تحدث اية مصيبة. ولا مكان في المجتمع المنفتح والليبرالي لحملات التخويف من هذا الخطر المزعوم. ولكن عندنا كالعادة تكون الغلبة للأقدار: نحن لا نريد اسرائيل الكاملة فقط وانما نريد ايضا شعبا يهوديا كبيرا والى الجحيم بكل ما عدا ذلك. بالضبط مثلما لا تتحول اسرائيل ان كانت كبيرة الى دولة افضل واكثر عدالة، بل بالعكس.

آن الأوان ايضا لتفكيك كل اجهزة الدعاية ذات المفارقة الزمنية التي تمتلكها الوكالة اليهودية وبناتها. مال كثير صرف هناك عبثا. ما كان صحيحا للشعب من دون دولة لم يعد ذا صلة الآن. كان من المفترض ان تعتز دولة اسرائيل بالعلاقة مع يهود الشتات ولكنها لا تفعل ذلك. وعلى العكس فإن افعال اسرائيل تشكل خطرا وسببا لخجل الشتات اليهودي في مناسبات عديدة. اسألوا يهود العالم عما قاله لهم جيرانهم في الشارع بعد عملية "الرصاص المصهور". اسألوهم متى تفاخروا في آخر مرة بما تفعله اسرائيل.

ان كان يهود العالم اعزاء على قلوبنا فعلا، فمن الافضل ان نتحول الى دولة اقل كراهية. هذا سيجلب لنا الكثير من الاحترام والعزة والارتباط باليهود، اكثر من كل "الحملات" الدعاوية بشتى اشكالها. صحيح ان الشبان هم الذين يعملون في هذه الحملات وخصوصا اولئك الذين يمتلكون عالما خاويا، ولكن خيبة الامل لا تتأخر في المجيء. في ختام أي حملة قد يظهر الانكشاف الحقيقي حول طابع هذا المجتمع والدولة التي أقيمت هنا.

جوش وجويل ليسا مفقودين او ضائعين. من ينعتهما بهذا الوصف اكثر توهانا وضياعا منهما.