لي بلاد وقلبي بلا بلد!

وطني كبير؛ عشرون دولة وأكثر. لكنها كلها لا تتيح لي سوى الحلم؛ والآن، في نومي الواقف، في شوارعها الضيقة، أحلم بوطن يُعيدُ إليَّ دفتر الإنشاءِ بلا معلِّم مهموم بضبط قواعد الإعراب، وإحكام أضلاع "الثالوث المحرم" على الورقة البيضاء!اضافة اعلان
سأكتب بلداً يحكمه "عمر خيرت" فترةً رئاسيةً من ولايَة واحدةٍ لأربعَةِ أعوامٍ، وتجري فيه الانتخاباتُ بانتظام، وأقودُ حملة دعائية لصالح المرشح المستقل "عمار الشريعي" ضد "ياسر عبد الرحمن"، المرشح الذي تقول صحف المعارضة إنه مُرتبط بأجندة موسيقية تشدُّ عكسيا إلى زمن "محمد عبد الوهاب"!
أريدُ وطناً من أوطاني شوارعه يرسمها "نجيب محفوظ"، ويدير بنفسه حوارات ناسها على مقاهيها التي ترفض استقبالَ العاطلين، بطراً، عن العمل. ويتدخَّلُ "حنا مينا"، بصفته رئيساً مؤقتاً للوزراء، في كلِّ تفاصيل العباد، ويُبدي دكتاتورية شديدة في تطبيق مواد الدستور التي وضعها "نزار قباني"، ويحتجُّ على بعض فقراته "محمود درويش"!
سيجتهد الشعب في تفسير الأوطان، الكاتب المعارضُ سيقول إنَّ الوطن الذي لا يتسعُ لشاعرٍ تخنقه أزمة مرور، والعاشق الجيِّدُ سيعتقد أنَّ الوطنَ الذي يراقبُ أشواقَ العشاق في العراء تنخره الرطوبة، والعامل سيجزم أنَّ الوطنَ الذي لا يمنحه إجازةً لقراءةِ دستوره سيدخل نفقاً معتما في مشاجرة "كرة قدم"، والمسؤول سيظن أن الوطن الذي لا يحمي مُعارِضَ سياسته اللدود..؛ لن يحميه إنْ أخطاته يوماً "لعبة الكراسي السياسية المتحركة"!
أحلم بوطن يمتنع فيه رقيب السير عن مخالفتي المادية، ويكتفي بإبداء حرص شديد على سلامتي، وبوطن جار يكرَّسُ بثه الفضائي لحوارات أقطاب المعارضة، وفي السهرة يبثُّ فيلماً كان ممنوعاً من العرض، وأغنية مخلصة للتراب فقط، وبوطنٍ آخر شقيق تُصدرُ "وزارة الداخلية" فيه تعميماً صارماً على المواطنين، تحذِّرهم من الاستعمال العبثيِّ للمثل الشعبيِّ البائد:"يا ما في الحبس مظاليم"!
وطني كبيرٌ..؛ لكنه في كثير من الأوطان لا يتيح لي مساحة للحلم، أو للحبِّ الطائش، فكل أوطاننا تعطل دوائرها الرسمية وغير الرسمية في ذكرى الحروب، خاسرة أو منتصرة، وفي عيد الحب هناك دوامٌ رسمي شاق، وغير رسمي أكثر مشقة، وإعلانٌ يدعو الأزواج إلى تنظيم النسل بالمباعدة بين القُبَلْ!
فيا حبيبتي ليست المشكلة أنني أحبُّكِ بصمت..؛ فقد أنفقتُ عمراً من عمري أبحثُ عن جدارٍ نظيف في بلادي أكتبُ عليه اسميْنا، وما وجدته فأنا مواطن ليس لدي وقت لكتابة رسالة عشق..؛ وأعرفُ أنني بذلك أفقد حقا آخرَ من حقوق المواطنة، ففي كلِّ أوطاني الحب نشاهدهُ فقط في مسلسل التاسعة، ولا نكمله لأن جارنا سيضرب زوجته التي حدَّقت كثيراً في ملامح الممثل الوسيم!
لي بلاد وقلبي بلا بلد..؛ ولما رسمته بكامل عدده على حائط البيت لسعتني الأسلاك الشائكة، جربت غناءه وأنشدت بكبرياء قومي:"بلاد العرب أوطاني"..؛ لكنني ما أزال أبحث عن طريق آمنة توصِلني حياً من "الشام" لـ "بغدان"!
أحبُّكَ يا وطني "يا وطن النايات"، وأنجبتُ من حبِّك أبناء كثيرين يحملون اسمكَ، وملامحكَ السمراء، وأودُّ لو أكتبك من جديدٍ في دفتر الإنشاء في الحصة الأولى، أول النهار؛ لكنني قلق من أمر ما..، فحين تغيبُ الشمسُ أين أكتبُ اسم بلادي؟!

[email protected]