مآلات الرئاسة المصرية وتأثيراتها على القضية الفلسطينية

"تحرير فلسطين يبدأ من مصر".. كتابة على جدار في القاهرة - (أرشيفية)
"تحرير فلسطين يبدأ من مصر".. كتابة على جدار في القاهرة - (أرشيفية)

فرانكلين لامب* – (كاونتربنتش) 28/5/2012

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بيروت – النتائج الرسمية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التاريخية المصرية، وهي الأولى التي تقيمها الأم مصر، من دون أن تكون نتائجها معروفة سلفاً، تشكل إشارة مشجعة على "مصر الديمقراطية الجديدة،" نظراً إلى أن اختيار ما يقرب من 50% من ما مجموعه 50 مليون ناخب مصري مسجل يحق له التصويت، والذين وقف بعضهم في الطوابير من أجل التصويت في حرارة الشمس الحارقة لساعات، لن يتم الإعلان عنه رسمياً حتى أواخر شهر أيار (مايو).اضافة اعلان
واستناداً إلى استطلاعات الرأي والمعلومات الصادرة عن المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن المرشحين اللذين سوف يتواجهان في الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية في 16-17 حزيران (يونيو)، هما مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي (25 %)، ورئيس الوزراء الأخير في عهد مبارك، أحمد شفيق (24 %).
ويمثل السيد مرسي والسيد شفيق تيارات مختلفة جداً من المجتمع المصري. وسوف يستمر السيد شفيق في اجتذاب الدعم لنفسه من الناخبين الخائفين من استيلاء الإسلاميين على السلطة، ومن أولئك الذين أنهكتهم الاضطرابات خلال الأشهر الستة عشر الماضية.
وسوف يحمل كلا المرشحين النهائيين أمتعة سياسية كبيرة إلى الجولة الثانية. ففي حين سيكون لدى مرسي عمل الإخوان المسلمين التنظيمي والكفؤ وواسع النطاق خلال الأسبوعين المقبلين من أجل تحشيد التصويت لصالحه، فضلاً عن دعم معظم الأحزاب الإسلامية، فإن ترشيحه ما يزال يواجه شكوك الناخبين الكبيرة والمنتشرة من احتمال سيطرة جماعة الإخوان التي كانت محظورة منذ وقت طويل على برلمان مصر ورئاستها معاً. ويبدو الناخبون المصريون قلقين من أن هذا النوع من السلطة الواسعة سيكون نظيراً فعلياً لما كان عليه الوضع في عهد مبارك، كما سيقوم أيضاً بإضعاف الضوابط والتوازنات اللازمة لتخفيف التزام الإخوان بتحكيم قانون الشريعة الإسلامية، والاحتفاظ بالتزامهم بالتخلص من الحكم العسكري.
وبشكل خاص، يثير التصريح التالي الذي أدلى به مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي الأسبوع قبل الماضي في تجمع لحملته أمام جامعة القاهرة، قدراً كبيراً من القلق:
"القرآن هو دستورنا وسيظل، والرسول زعيمنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله غايتنا. نحن قادرون على تطبيق الشريعة الآن، وإننا لن نرضى بديلا عن الشريعة الإسلامية."
وسوف تدعم إسرائيل والولايات المتحدة السيد شفيق بشتى الطرق، وسوف يستفيد من النظرة إليه على أنه يمثل جيش مصر، ومن دعم الكثيرين من كتلة البلد الانتخابية الثرية والنافذة والمحافِظة، ومجتمع قطاع الأعمال، والمسيحيين الأقباط، (الذين يشكلون حوالي 10 % من الناخبين)، والذين يسعون جميعاً، على نحو مفهوم، إلى استعادة الأمن فوق كل شيء. كما سيصوت كثيرون آخرون لصالح ما يعتقدون بأنه سيكون أهون الشرين.
ومع ذلك، وفي حال حدوث مفاجآت معيقة، مثل خروج الرئيس السابق حسني مبارك بريئاً من كل التهم التي وجهت إليه، عندما يتم إعلان الحكم في قضيته يوم 2 حزيران (يونيو)، وهو ما يتوقع العديد من المحامين أنه ما سيحدث بالضبط، فإنه يرجح كثيراً أن يتفوق محمد مرسي في جولة الإعادة التي ستقام في أواسط حزيران (يونيو)، ويصبح أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً.
ويعتقد العديد من المحللين في الشرق الأوسط، بمن فيهم أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية ببيروت، ساري حنفي، بأن هذه النتيجة ستكون جيدة بالنسبة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، وأولئك الذين ما يزالون يعيشون تحت وطأة الاحتلال الصهيوني في بلدهم، وسوف يلقى الترحيب من جميع الذين ينادون بعودة الفلسطينيين الكاملة إلى بلادهم التي ما تزال محتلة.
وأعلن رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية في غزة، إسماعيل هنية، يوم الخميس قبل الماضي أنه "سيكون لنتائج الانتخابات الرئاسية المصرية تأثير إيجابي جداً على مسار ومستقبل القضية الفلسطينية، فضلاً عن دور ومكانة المسلمين في العالم."
ويعلم هنية أن جماعة الإخوان المسلمين، التي انبثقت عنها حركة حماس، هي حركة معقدة ومتطورة للغاية من الناحية السياسية. وبينما تحاول الجماعة تجنب التعرض للإدانة، أو ما هو أسوأ منها، من جهة واشنطن وتل أبيب، فإن نوايا الجماعة فيما يتعلق بمعاهدة كامب ديفيد وهبات الغاز والصفقات الأخرى مع إسرائيل، وحتى تجاه العلاقات الدبلوماسية مع محتلي فلسطين، تظل واضحة. ويعتقد غالبية المصريين بأنه سيتم التخلص من كل الاستعمار في نهاية المطاف، بما في ذلك الحالة الوحيدة المتبقية من المشروع الاستعماري للقرن التاسع عشر نفسها.
كما اعترف مسؤولو حماس أيضاً بأنهم يتطلعون أكثر إلى مصر وجماعة الإخوان المسلمين من أجل الدعم، بينما يتحركون مبتعدين عن سورية. وقد استقر المسؤول الرفيع في حماس، موسى محمد أبو مرزوق، في القاهرة بعد فراره من الاضطرابات في سورية، وهو يحتفظ بعلاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين.
ولدى السيد مرسي تاريخ طويل من انتقاد معاملة إسرائيل للفلسطينيين. وكان قد أشار إلى وزير الخارجية الإسرائيلي، ليبرمان، بأنه "مصاص دماء"، وإلى حركة المستوطنين بأنها "دراكولات." كما انتقد السيد مرسي أيضاً زعيم حركة فتح، محمود عباس، على ما وصفه بالتعاون الساذج مع إسرائيل باعتقاد أنها ستقبل طوعاً بإقامة دولة فلسطينية ، في حين أشاد مرسي بحماس ومقاومتها للاحتلال الإسرائيلي.
وكان قادة الإخوان قد صرحوا بأنهم يعتزمون استخدام نفوذهم لدى كل من حركتي فتح وحماس لحثهما على المصالحة مع بعضهما البعض من أجل الضغط على إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية. ووفقاً لما يقوله شادي حامد من مركز بروكنغز في الدوحة، فإن "الإخوان سوف يضغطون برفق على حماس حتى تكون أكثر واقعية وبراغماتية، على الرغم من أن هذا هو نفس الاتجاه الذي تسير فيه حركة حماس مُسبقاً."
ولدى حديثي مع ممثلي الإخوان المسلمين في القاهرة وبيروت على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان الموقف الذي أعرب عنه الحزب لكاتب هذه السطور هو أن الخيط المشترك الذي يصل بين جميع الانتفاضات الإقليمية المستمرة، هو ما يمكن وصفه بأنه السعي الأساسي إلى الكرامة والتخلص من الذل، إما بالتحرر من الأنظمة الاستبدادية المفروضة من الغرب، أو من وكيل الغرب العدواني وغير الشرعي، إسرائيل.
وحتى قبل انتهاء الانتخابات الديمقراطية الأولى في مصر، والتي وصفها مراقب الانتخابات القديم جيمي كارتر تواً بأنها "مشجعة للغاية،" فإن هناك اعترافاً واسعاً في مصر بأن الكرامة الأساسية تتطلب عودة فلسطين وأماكنها المقدسة، ليس فقط إلى 1.5 مليار مسلم وما يقرب من هذا العدد من المسيحيين في جميع أنحاء العالم، وإنما لكل الناس ذوي النوايا الحسنة في عائلة البشرية.
وفي حين لم يتم نشر أيّ قرارات رسمية لجماعة الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالعلاقات مع غزة وفلسطين المحتلة، فإن الإشارات موجودة في كل مكان، بدءاً من عدم تنفيذ ضغوط مبارك-إسرائيل-أميركا على رفح، غزة، وحظر السفر والتجارة، لتقول بأن التطبيع الكامل للعلاقات بين المصريين والفلسطينيين تحت الاحتلال بات وشيكاً.
وتعلم إسرائيل ولوبيها الأميركي ذلك، وتستعدان له.
ففي مقر الكونغرس، الكابيتول هيل، وفي أوساط ما يزيد عن 60 من المنظمات المؤيدة للصهيونية كثيفة النشاط والممولة تمويلاً جيداً في الولايات المتحدة، بدأت بالفعل حملة كبيرة ترمي إلى تحييد خيار الناخب المصري في شهر حزيران (يونيو)، على النحو الذي تم تحقيقه بكل تأكيد خلال العقود الثلاثة من حكم مبارك.
وفيما يلي بضعة أمثلة على ذلك.
شنت جماعة اللوبي (آيباك) حملة خلال الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة، والتي أصبحت الآن بالكاد على بعد ستة أشهر، لجعل إدارة أوباما تطلب ثلاثة أشياء من حكومة مرسي:
أن تشطب جماعة الإخوان المسلمين عناصر رئيسية في برنامجها السياسي وأن تنأى بنفسها عن الإسلاموية -"الإسلام السياسي"؛ وأن تتعهد علناً بمكافحة "الإرهاب،" أي المقاومة الفلسطينية واللبنانية؛ وأن تتعهد الجماعة، كتابة، بالالتزام الكامل باتفاقات كامب ديفيد.
ويجب على واشنطن، وفقاً لإسرائيل، أن تصر لا تصر فقط على وجوب احتفاظ مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وإنما يجب على أوباما أن يقول للإخوان إن الولايات المتحدة ستقرأ أي استفتاء يتم إجراؤه على اتفاقية كامب ديفيد باعتباره محاولة لتدمير هذا الاتفاق.
ووفقاً لمرسال الحكومة الإسرائيلية، دنيس روس، فإنه "في محادثات أخيرة، أعرب قادة الإخوان عن اعتقادهم بأن أحداً لن يلقي اللوم عليهم إذا ألغيت المعاهدة بإجراء تصويت على الصعيد الوطني، كما يبدو مرجحاً. ويجب أن يقال لهم خلاف ذلك."
وإذا ما قيست الأمور بما تمثلة جماعة الإخوان المسلمين، وما ناضلت من أجله منذ تأسيسها في العام 1928 على يد المفكر الإسلامي والمدرس حسن البنا، فضلاً عن المطالب المتزايدة من الجمهور المصري إلى جانب المناشدات الإقليمية لحكومة مصر الجديدة باستعادة الكرامة العربية والإسلامية، فإن هذه المطالب الإسرائيلية والأميركية تكون محض سخف وغريبة كلية.
ويقترح الكاتب الذي يعمل دائماً عند إسرائيل، إليوت أبرامز، الذي يكتب في المطبوعة الصهيونية الأسبوعية التي تروج رهاب الإسلام "ويكلي ستاندرد،" منهجاً يبدو خيالياً ومضللاً بنفس قدر مخططاته في العامين 2002-3 حول أسلحة الدمار الشامل، من أجل دفع الولايات المتحدة إلى مهاجمة العراق نيابة عن إسرائيل، أو حملته المستمرة منذ خمسة أعوام لجعل الولايات المتحدة تقصف إيران لأجل إسرائيل.
يقترح أبرامز في الآونة الأخيرة، وبكل جدية على ما يبدو، أنه بما أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي ستكون حكومة مصر الجديدة، فإنه سيمكن لإسرائيل أن تظل هي المتفوقة في حال اتبعت نصيحته. ويفعل أبرامز، غير السعيد بوضوح من احتمال حكم الإخوان المسلمين لمصر، ما يُدفع له للقيام به لمصلحة إسرائيل، أي أنه يرسم الخنازير بطريقة مجازية على أمل أن تبدو مثل الأميرات.
ويلقي إليوت اللوم علناً على الولايات المتحدة لعدم "الوقوف إلى جانب نظام مبارك مثلما يفعل الروس مع سورية اليوم." ويؤكد أنه "لو كان مبارك والجيش قد لعبا بطاقاتهم بطريقة أفضل؛ فإن شفيق ربما كان ليخلف مبارك من دون الانتفاضة الضارة التي شهدتها مصر، ولكانت معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل مع كل ثمارها وبركاتها قد ظلت في مأمن. والآن، وفي حال لم يفز شفيق، فإن اتفاقية كامب ديفيد تكون قد انتهت، لكنها ستظل لدينا (إسرائيل؟) بعض الخيارات الممتازة."
ويقول أبرامز وعناصر اللوبي الصهيوني للكونغرس الأميركي الآخرون بأن "إسرائيل يجب أن تدعم "الليبراليين" المصريين، بمعنى الناس الذين يؤمنون بالديمقراطية والحرية وسيادة القانون، بدلاً من الإسلام كمبدأ توجيهي لمصر، وأن النتيجة يجب أن تكون اعتقاد الناخبين بأن جماعة الإخوان المسلمين قد حظيت بفرصة واضحة، لكنها خذلتهم." ويتابع أبرامز: "إذا كان شفيق سيفوز، فسيعتقد الكثير من المصريين بأن الجيش وآلة النظام القديم قد سرقوا الانتخابات. وعلى أي حال، ستتم قسمة السلطة بين الإخوان المسلمين من جهة، والجيش والرئيس من جهة أخرى. ولن يكون هناك درس واضح لتعلمه عندما تستمر الأوضاع العامة في البلاد في التدهور، نظراً لأن الدفعة السنوية الأجنبية السابقة التي ضُخّت في الاقتصاد المصري، والتي بلغت قيمتها 6.5 مليار دولار، قد انعكست الآن إلى تدفق سنوي إلى الخارج، بمقدار 500.000 دولار، مع فرار المستثمرين وهبوط السياحة بنسبة 40 % عما كانت عليه عندما كان مبارك مسؤولاً."
وعلى نحو مثير للاهتمام، يحاجج أبرامز والناطقون الآخرون باسم (آيباك) واللوبي الصهيوني، بأن انتصار آخر رؤساء وزراء مبارك، أحمد شفيق، في الشهر الحالي لا ينبغي أن يكون شيئاً تفضله إسرائيل والغرب بالضرورة، أو يعملان على ترتيبه. فبالنظر إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي الحزب القائد في البرلمان، وتشكل مع السلفيين أغلبية إسلامية هناك، يزعم أبرامز بأن هذا جيد لإسرائيل في واقع الأمر، بما أن لوبيها سوف يرتب الكونغرس ليدفع بفكرة أن سيطرة الإخوان المسلمين على كل من البرلمان والرئاسة أمر خطير، و"يمكننا اعتبارهم هم وجميع الإسلاميين في مصر مسؤولين تماماً عما يحدث لمصر بمشاكلها التي لا تعد ولا تحصى، وبالتالي، ستقع نسبة 100 % من المسؤولية عن مصير مصر على كاهل جماعة الإخوان المسلمين".
ويتابع أبرامز: "إذا فاز مرشح الإخوان، مرسي، وسوف يفعل، فإن جماعة الإخوان المسلمين ستكون هي المسؤولة -وسوف تُجبر على تقديم ما لديها. وعندما تفشل، لأنها ستتخلى عن كل أصدقاء إسرائيل الرئيسيين في مجتمع الأعمال الدولي، فسوف يكون واضحاً تماماً من هو المَلوم، وهذا أمر جيد بالنسبة لإسرائيل. وسيكون في مصلحة إسرائيل دعم عسكريي مصر الذين عملت معهم بشكل وثيق لسنوات، وتشجيع الجيش على القتال بكل أدواته لخدمة مصالحه."
ويلخص أبرامز أطروحته في رسالة أرسلتها (آيباك) بالبريد الالكتروني إلى الجهات المانحة: "بالقدر الذي يهم إسرائيل، فإنه لا ينبغي النحيب في حال انتصر مرسي؛ فنظراً إلى الوضع في مصر، يمكننا تأكيد أن الخاسر في هذه الانتخابات سوف يشفق على الفائز. زوج من الأنخاب لمرسي! والآن، دعونا نبدأ العمل."

*باحث يتخذ من لبنان مقراً له.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
Battlelines Being Drawn for Next Phase: a Plus for Palestinians?

[email protected]