مأزق أخلاقي

بقدر ما أن تكليف ديوان المحاسبة بتنفيذ عملية نقل وتوزيع أسئلة امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" إلى قاعات الامتحان، يعبر عن ثقة حكومية بالديوان، فإنه يمثل في الوقت والقدر نفسه، اعترافا بخلل أخلاقي في وزارة التربية والتعليم، يجب الاعتراف به. اضافة اعلان
فإشراك ديوان المحاسبة في تنفيذ عملية نقل الأسئلة -برغم كل المحاولات لتغليفها بمهام المراقبة المالية والإدارية- يمثل عملية تنفيذية وليست رقابية. وهي فوق ذلك مرهقة للديوان، الذي انشغل خلال فترة الامتحانات عن مهامه الاعتيادية التي لا يقوم بها ولا يمكن أن ينفذها غيره، بحسب القوانين والأنظمة.
وبغض النظر عن النقاش حول دستورية هذا الأمر، فيبدو أن ديوان المحاسبة قد نجح بشكل فاعل في منع تسريب أسئلة امتحان الثانوية العامة. وهي النتيجة المطلوبة من إسناد هذه المهمة للديوان، وبما سيسهم في إعادة الهيبة لهذا الامتحان في الأردن. وهو الهدف الذي أعلنه معالي وزير التربية والتعليم عدة مرات، والذي لا نختلف حوله.
لكن هذا لا يمنعنا من التوقف عند الوضع الذي وصلت إليه وزارة التربية والتعليم، خصوصا في ظل ما رأيناه، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، من خروقات واسعة في امتحانات الصفين السادس والتاسع، وهو الأمر الذي لم تنفه الوزارة. فهل ننتظر أن يُطلَب لاحقا إشراك ديوان المحاسبة في إنجاز أعمال أخرى لوزارة التربية أو غيرها من المؤسسات، إذا لم تتم معالجة هذا الخلل الأخلاقي الخطير؟!
أعود بذاكرتي إلى الفترة التي كنت فيها على مقاعد الدراسة؛ إذ كانت وزارة التربية والتعليم تلعب دوراً مركزياً وقيادياً في الحكومة والمجتمع، وربما كانت مصدر توجيه وتكوين أخلاقيين وتربويين واجتماعيين. وتعدى مجال تأثيرها طلبتها، إلى المجتمع المحلي والرأي العام. وكانت الثقة بالوزارة وكوادرها عالية. وكلنا يعرف كيف قادت كوادر وزارة التربية والتعليم أعمال الإدارة والتنمية المحلية، والاجتماعية والثقافية، خصوصا في المجتمعات الريفية والبادية على اتساع رقعة الوطن، ودورها القيادي في تحديث وتطوير الدولة والمجتمع.
للإنصاف أقول، إنه لا يمكن لوم الوزارة وحدها على هذه النتيجة، فالمسؤولية تمتد عرضا وعمقا، وتشمل تراكمات تعمقت في الدولة والمجتمع عبر الزمن، تصويبها يحتاج إلى مناقشة مفتوحة، ومقاربات ثقافية واجتماعية ومهنية، ووقتا كافيا، وذلك قبل أن يتسع الخرق، ولا تعود الإدارة المدنية في الدولة بأكملها قادرة على إدارة ونقل أسئلة الامتحانات إلى قاعات الامتحان واستعادتها من دون خروقات كبيرة. وبالتالي، قد نجد أنفسنا في ورطة أكبر.
وزارة التربية والتعليم معنية الآن بالاعتراف بحجم وخطورة هذا الخلل، والعمل على إيجاد حلول طويلة المدى له. ونقابة المعلمين معنية أيضاً بالقدر ذاته. ومطلوب من الحكومة والمجتمع المساهمة في ذلك، ودعم خطط الحل للحفاظ على مؤسسة صناعة المستقبل، ورعاية فلذات الأكباد. فكما أن المحافظة على سمعة وكفاءة شهادة الثانوية العامة مهم، فإن سلامة وسمعة الوضع الأخلاقي والإداري في وزارة التربية والتعليم أكثر أهمية، وقد آن الأوان للالتفات له أيضا، وتصويبه، مهما كانت الرحلة طويلة.