مؤتمر "جنيف2" ولد ميتا

لم يكن مفاجئاً فشل مؤتمر "جنيف2" في تحقيق أي تقدّم نحو حلّ سلمّي للأزمة السورية، لأن أكثر التوقعات تفاؤلاً كانت تعتقد أن مجرد موافقة الأطراف على الحوار، إضافة إلى معالجة بعض المسائل الإنسانية، هو أقصى ما يمكن إنجازه في هذا المؤتمر. لكن المفاجأة تمثلت في إعلان الأخضر الإبراهيمي انتهاء المفاوضات. وفي الحقيقة، فإن مؤتمر جنيف ولد ميتاً.اضافة اعلان
بداية، كانت المعادلة بين طرفي النزاع غير متوازنة. فالوفد الحكومي يمثل النظام الذي أحرز تقدماً عسكرياً ملموساً على الأرض في الفترة الماضية، وما يزال يتمتع بدعم حلفائه الدوليين والإقليميين. إذ ما تزال روسيا وإيران وحزب الله يُقدمون أشكال الدعم كافة للنظام. إلاّ أن هناك تماهياً بين مواقف هذه الأطراف حيال مستقبل حل النزاع في سورية.
أما فيما يتعلق بوفد المعارضة؛ فقد ذهب إلى جنيف تحت ضغط كبير من حلفائها الإقليميين والدوليين، لأن استراتيجيتها منذ اندلاع الأزمة السورية كانت اللجوء للخيار العسكري الذي لا تملك مفاتيحه، ولكنها كانت تعوّل أن يقوم بذلك الآخرون كالولايات المتحدة أو بعض الحلفاء الإقليميين. إضافة إلى المعارضة المسلحة في سورية.
كذلك، لم يكن كل الأطراف الفاعلين من المعارضة حاضرين في جنيف. وعليه، كان تمثيلها للمعارضة ضعيفاً، علاوة على أنها ليست لديها السيطرة على الجماعات المسلحة الفاعلة على الأرض، ولكنها تتمتع بدعم إقليمي ودولي أيضاً قوي.
إذا كان مصدر قوة النظام والمعارضة هو حلفاؤهما الدوليون والإقليميون، فالذين كانوا على طاولة المفاوضات هم الأشخاص أو الأطراف الخطأ؛ بمعنى أن المفاوضين السوريين بشقيهم ليسوا أصحاب القرار بشأن الأزمة السورية، وبنود اتفاق "جنيف1" المنصوص عليها، وبشكل خاص مكافحة الإرهاب باعتباره مطلباً أساسياً للوفد الحكومي، والتوصل إلى سلطة انتقالية بكامل الصلاحيات باعتباره مطلب المعارضة. إذ يعلم كلا الطرفين أنه ليس بمقدور أي منهما القيام بذلك، لأن مفاتيح الحل لم تعد سورية، بل أصبحت بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين.
اذا كان الوضع كذلك، فلماذا جلسا مع بعضهما بعضاً وهما يعلمان أنه لن يكون هناك حل من خلال تلك المباحثات؛ إذ إنهما ذهبا بضغط من الحلفاء الدوليين؟
حقيقة الأمر أن الخلافات التي ظهرت في جنيف تدل، وبشكل قاطع، أن اللاعبين السوريين هم الحلقة الأضعف في عملية الصراع واتخاذ القرار، مقارنة بالحلفاء الإقليميين والدوليين. وإذا كان الوضع كذلك، فلماذا لا تتحاور الأطراف كافة، وعلى جميع المستويات، للتوصل إلى تفاهم على كل شيء؟! إن النموذج الذي تم اتباعه في المؤتمر هو نموذج فاشل مبني على افتراضات خاطئة.
انهيار المفاوضات أو فشلها بشأن سورية، أدى إلى العودة للخيار العسكري من قبل حلفاء المعارضة السورية الخارجية، وبدأت تُقرع طبول الحرب من جديد، وكأن المطلوب منذ البداية هو فشل المحادثات والعودة للخيار العسكري بعد التحضير له خلال فترة المفاوضات. من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً عسكرياً غير مسبوق. ولكن الخيار العسكري أثبت فشله في السابق، وقد لا ينجح في المستقبل، إلا إذا كان الهدف إضعاف النظام وإجباره على الحل السلمي والدخول في المفاوضات.
ولكن إذا كان الحل السياسي ما يزال هو الخيار الاستراتيجي لكل الأطراف، فلا بد من أن تكون هناك مقاربة متكاملة للأزمة السورية بكل أبعادها، تشترك فيها جميع الحلقات: السوريون، وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون.

mousa_shtaiwy@