"مؤثرون" والله أعلم!!

الاحتجاجات الأخيرة أطاحت بوهم "التآثير" الذي ادعاه كثيرون على الـ"سوشال ميديا"، بعدما انزووا بعيدا عن نبض الشارع، بل إن كثيرا منهم مارس دور "شيطنة الحراك"، وهاجم الشباب بلا هوادة، وبعضهم مارس التخوين والتحريض ضد الناشطين.

اضافة اعلان

بشكل عام، كان أداء الإعلام المحلي مخيبا للآمال، فكثير من الوسائل الإعلامية تجنبت نشر أخبار الاعتصامات والاحتجاجات بشكلها الحقيقي، وهي الاحتجاجات التي امتدت على كامل المدن الأردنية، بينما وسائل أخرى تعامت تماما مع تلك الأخبار، وكأنه لا توجد احتجاجات في الأصل، فيما آخرون ذهبوا إلى محاولة "تصنيع" تهم للإطاحة بوطنية المحتجين ووصفهم بأنهم ينفذون أجندة ضد البلد.

بالعودة إلى "المؤثرين" المزيفين، كان التخبط عنوانا صريحا لأدائهم المستهلك طوال فترة الاحتجاجات وحتى اليوم، حتى عندما اجتمع الملك بالإعلاميين وعبر عن فخره بالشباب الأردني وطريقته المتحضرة في ممارسة حقه الدستوري في الاحتجاج، حاول أولئك "المؤثرون" اللحاق بالركب، لكنهم فشلوا تماما بعد أن رفضهم الحراكيون الشباب نتيجة مواقفهم السابقة، عندها مارسوا تضليلا من نوع آخر حين طرحوا أنفسهم كـ"شهداء للحق"، وأنهم انطلقوا، على الدوام، من أجندة وطنية خالصة، ومصلحة عليا وضعت صوت العقل فوق كل اعتبار. غير أن ذلك، أيضا، لم ينفع في عودتهم إلى التوازن الذي فقدوه مرة وإلى الأبد، بعد أن كان سقوطهم مدويا جدا هذه المرة.

في تجربة الأسبوع الماضي، وضع المئات؛ "مؤثرون" وممن يمارسون الإعلام، أنفسهم في مواجهة المصلحة الوطنية التي عبرت عنها الأكثرية بالاحتجاج على قوانين ظالمة، وعلى نهج اقتصادي أسهم في إفقار المواطن. غير أنهم لم يروا الأمر بهذا الشكل، بل شككوا في وطنية الحراك ومرجعيته تارة، وتارة أخرى اتهموه بأنه "دمية في يد الأثرياء" الذين لا يريدون دفع الضرائب.

كان الأداء مزعجا بطريقة لم يعهدها أحد؛ إذ تم الحديث إلى الشعب بفوقة وأبوية كما لو أن المواطن غير قادر على تمييز أولوياته وبأنه في حاجة إلى وصاية منهم، أو أنه غير قادر على الشعور بالوطنية التي أرادوا تصديرها لكل ما عداهم، ولكن سير الأحداث ورقيّ فعل المحتجين أسهما في تعرية هؤلاء الذين مارسوا الخداع والتضليل على مدى سنوات وأرادوا إقناع الجميع بأنهم "مؤثرون" رغم أنف الشعب، وأنهم قادرون على قلب الحقائق!

في كل المفاصل المهمة التي تمر بنا في الأردن، ثمة بوصلة مهمة اسمها "الوطنية" والمصلحة العامة، من يفقدها لا يمكن له أن يكون مؤهلا للتحدث باسم أحد، حتى ولا باسمه المجرد. وخلال الاحتجاجات الأخيرة فقد كثيرون هذه البوصلة، وانكشف زيفهم ومرجعياتهم، وبأنهم كانوا، على الدوام، يدافعون عن أشخاص ومصالح آنية وشخصية، وليس لمصلحة الوطن؛ الغائب الأكبر عن جميع حساباتهم وأفعالهم.

الآن وقد انكشف وجههم الحقيقي، فحبذا لو تغيروا قليلا، وحبذا لو اعتذروا عن الطرق الملتوية غير النزيهة التي أداروا بها معاركهم الرخيصة، عسى أن تتم مسامحتهم عن السقطات التي اقترفوها، والشتائم التي كالوها، والتهم التي وزعوها على شباب خرجوا انتصارا لنا جميعنا، واحتملوا أن يرموا بشتى التهم.

الوطنية لا يعبر عنها بالتصفيق دائما، فأحيانا يكون الاحتجاج أعلى درجات الوطنية وأسماها. وهو ما مارسه الشباب كحق أصيل من حقوقهم المدنية، والتي ندعو لأن تتعرفوا عليها لكي تتوقفوا عن ممارسة هواياتكم المفضلة بالتخوين وتوزيع صكوك الوطنية!