مؤسسات التعليم العالي وأثرها في نشر ثقافة التسامح

د. أحمد ياسين القرالة

تحدثنا في مقال سابق عن دور وزارة التربية والتعليم في نشر ثقافة التسامح وتعزيز قيمة احترام الآخر، وفي هذا المقال نتحدث عن دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال الجامعات والكليات التي تشرف عليها، باعتباره الدور المكمل والمتمم لذلك العمل، إذ لا يقل دور هذه المؤسسات عن دور المدارس التربوية في تحقيق التسامح ومواجهة التطرف ومحاربة العنف والإرهاب.اضافة اعلان
 وإذا كان التعليم المدرسي محكوماً بنظام تدريسي يتسم بالصرامة والثبات والانضباطية إلى حد كبير، فإن التعليم الجامعي يختلف عن ذلك اختلافاً كلياً؛ فهو يتحرر كثيراً من تلك الشكليات التي يخضع لها الطالب في التعليم المدرسي، من حيث طبيعة الدوام والاستقلال في اتخاذ القرارات وتشابك العلاقات الطلابية واتساعها، واختلاف الضغوط والظروف المادية والبيئية التي يخضع لها؛ لذلك كان طلبة الجامعات والمعاهد العليا ولاعتبارات كثيرة من الشرائح المجتمعية المعرضة للتطرف، وأكثرهم استهدافاً من قبل جماعات العنف والإرهاب.
فمسؤولية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي كبيرة ودورها خطير جداً في تحصين الشباب ووقايتهم من العنف أو التطرف؛ ومن الخطأ الكبير اعتبار الجامعات مجرد مؤسسات تعليمية وتأهيلية في التخصصات والبرامج التي تطرحها، فليس هذا هو دور الجامعات فقط، إذ يمكن للجامعات أن تقوم بدور كبير وأن تؤدي عملاً عظيماً في خدمة المجتمعات وتطويرها، وصيانتها من أن تكون ساحات للعنف وميادين للتطرف أو الإرهاب.
وحتى تكون مؤسسات التعليم العالي قادرة على نشر ثقافة التسامح وحماية شبابنا من العنف وعصمتهم من التطرف يجدر بها أن تضع خطة عملية شاملة لهذا الموضوع،  تشترك فيها كافة كليات الجامعة وعماداتها، ولا ينبغي بحال إذا ما أريد لهذا العمل أن يحقق أهدافه ويؤتي ثماره، أن يغيب الطلبة عن تلك الخطة إعداداً وتنفيذاً ؛ لأن الطالب هو المستهدف بها والمقصود منها، ومن غير المعقول أن يشترك الجميع في العلاج في حين يغيب المريض عنها، ومن المهم أن تسعى هذه الخطة لتحقيق الأمور الآتية:
- تعزيز الأجواء الديمقراطية في التعليم الجامعي وإتاحة الفرصة لطلبة الجامعة للتعبير عن آرائهم وممارسة هواياتهم وتفريغ طاقاتهم بشكل إيجابي، وهذا يقتضي إعادة النظر في دور عمادات شؤون الطلبة ووظائفها، إذ ما يزال دورها تقليدياً ومقتصراً على فئة قليلة من الطلبة.
- مراجعة معايير الترقيات المعتمدة في الجامعات، إذ من الملاحظ أن الترقيات في ازدياد دائم، ومع ذلك ما تزال مشاكل المجتمع في تزايد مطّرد، وهذا يدل على عجز جامعاتنا عن حل مشكلاتنا وفي مقدمتها العنف والتطرف.
- تفعيل دور البحث العلمي في حل المشكلات واعتباره من المهام والواجبات الرئيسية للجامعات، وينبغي أن يكون تصنيف الجامعات دعماً واعتماداً بمقدار ما تنتجه من معرفة علمية وما تقدمه من براءات اختراع، وما تقدمه من حلول للمشكلات.
- تعميق دور اتحادات الطلاب وتعزيز دورها في خدمة الطلاب وحل مشكلاتهم، ومنع التدخلات الخارجية في شؤونهم.
- الاهتمام الزائد بمقررات متطلبات الجامعة الدراسية وتوحيد فلسفتها، وإنشاء وحدات أو كليات لمتابعتها والإشراف عليها.
- إنشاء وحدات للإرشاد النفسي والأكاديمي في الجامعات لمساعدة الطلاب خاصة المستجدين منهم على التكيف مع الأجواء الجامعية، وإعانتهم على حل مشكلاتهم والتغلب على الصعوبات التي تواجههم.
- إنشاء الصناديق المالية التي تقدم المساعدات المالية للطلبة الفقراء من خلال المنح أو القروض الميسرة، حتى لا يكون التعليم حكراً على الأغنياء فقط، ومتابعة مشاكل  الطلاب والعمل على حلها بالتنسيق مع المؤسسات المعنية، خاصة فيما يتعلق بالتنقل والرسوم الجامعية والسكن وغيرها.
- تفعيل موضوع خدمة المجتمع بطريقة علمية وإيجابية، وتعزيز ثقافة العمل التطوعي عند الطلبة وتنمية المبادرات الخلاقة لديهم؛ للاستفادة من طاقاتهم ومواهبهم وتوجيهها التوجيه الإيجابي، بما يسد الفراغ عندهم بالنافع والمفيد، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تنمية المجتمعات المحلية وخدمتها.
- البحث عن آليات جديدة للقبول الجامعي تحقق العدالة وترفد الجامعات بالمدخلات الجيدة؛ خاصة إذا ما علمنا أن التعثر الدراسي والرسوب يؤدي إلى هدر الموارد، ويخلق المشكلات وفي مقدمتها العنف الجامعي.
- إعادة النظر في التخصصات الموجودة خاصة التي تعاني من فائض في خريجيها وتساهم في زيادة البطالة، مما يساهم في انحراف الشباب أو توجههم نحو التطرف أو الإرهاب.
- تواصل الجامعات مع خريجيها للاستفادة من مواهبهم وخبراتهم؛ لتحسين مخرجاتها بالتغذية الراجعة.
- تطوير الكليات في داخل الجامعات خاصة كليات الشريعة والمعاهد الدينية، وذلك من خلال:
 • العمل على رفع كفاءة أعضاء هيئة التدريس من حيث أساليب التدريس وطرائق القياس والتقويم، وتوظيف التقنيات المعاصرة وثورة المعلومات في التدريس والتقويم.
 • تعديل الخطط والبرامج الدراسية لتتناسب مع الواقع وتكون قادرة على علاج مشكلاته وتطويره نحو الأفضل.
•  المسارعة إلى تضمين المناهج الدراسية خاصة في متطلبات الجامعة القضايا التي تعزز ثقافة التسامح وقبول الآخر، كمواد حقوق الإنسان وحرياته العامة.
• تطوير الكتب الدراسية بما يتلاءم مع الواقع المعاصر من حيث اللغة والأسلوب والمضمون.
•  إعادة الاعتبار لخريجي كليات الشريعة من حيث المكانة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.