مؤشرات انتخابية

لعل مكمن الأهمية الأكبر للانتخابات البلدية التي ستجرى الثلاثاء القادم هو في كشفها ضحالة الثقافة المدنية والسياسية في البلد. الحملات الدعائية للمرشحين أظهرت غياباً خطراً للعمل البرامجي المؤسساتي وشملت ممارسات تعكس استهتاراً كبيراً بعقول الناس وحقوقهم في آن.

اضافة اعلان

المرشحون، في أكثريتهم المطلقة، بنوا حملاتهم الدعائية على شعارات عامة وجمل فضفاضة تصلح لكل زمان ومكان. والبلد إذ يعاني غياب الرؤى البرامجية والعمل المؤسساتي في انتخابات البلديات، فهو يدفع ثمن سنوات من تهميش مؤسسات المجتمع المدني.

بالنهاية، سيضطر المواطن إلى اتخاذ قراره الانتخابي على أسس ركيكة ترتبط بالمعرفة أو القرابة أو التخجيل. وهذا مسلك لا يضمن اختيار الشخص المناسب للعمل البلدي. ولن يكون مستغرباً، نتيجة ذلك، أن يتولى شؤون البلديات، التي يعاني الكثير منها من أزمات مالية وإدارية، أشخاص غير مؤهلين للنهوض بالعمل البلدي في مدن وقرى المملكة.

لم يقدم المرشحون برامج. ولا دور لمؤسسات مجتمع مدني تدعو المرشحين إلى مناظرات أو تطالبهم ببرامج أو تحاكمهم على أسس معايير واضحة قابلة للقياس.

ذلك في باب الاستهتار بالعقول. أما في باب الاستهتار بالحقوق فحدّث ولا حرج. فقد قام مرشحون بممارسات كافية، وفق أي معايير منطقية، لمنعهم من الترشيح للانتخابات. هؤلاء وضعوا يافطات انتخابية على إشارات ضوئية. آخرون اعتدوا على إشارات مرورية. وغيرهم اعتدوا على ممتلكات شخصية إذ وضعوا ملصقاتهم على جدران منازل خاصة فشوهوا بيوت الناس، من دون الالتفات إلى استعمال ملصقات يمكن إزالتها بعد الانتخابات.

كان على أمانة عمان ووزارة البلديات أن تبذلا جهودا أكبر في تنظيم الحملات الانتخابية. ولا بد أن يشتمل القانون عقوبات على من يعتدي على المرافق العامة خلال هذه الحملات. وضروري أيضاً أن يلتزم المرشحون إزالة اليافطات واللواصق ضمن فترة محددة بعد انتهاء الانتخابات.

الانتخابات البلدية تصلح لأن تكون محطة لتقويم المعايير التي تحكم العمل العام، لناحية الأسس التي ينطلق منها المتصدون له ولجهة آليات اتخاذ القرار الانتخابي عند المواطنين. لكن حتى قبل بدء الانتخابات، واضح أن هنالك الكثير من النواقص التي باتت معالجتها حتمية تفرضها مصلحة البلد المتمثلة في التقدم في مسيرة الإصلاح والدمقرطة.

العجز القانوني يمكن معالجته بقرار إن توفرت الإرادة السياسية. لكن الصعوبة الأكبر هي في إحداث التغييرات في الثقافة المجتمعية. وهذه مسيرة تلكّأ البدء فيها كثيراً. وهي مسيرة تحتاج مراجعة شاملة للمناهج والتشريعات والممارسات، خصوصاً الرسمية، التي يجب أن تقدّم أنموذجاً في اعتماد معايير واضحة للعمل العام ومأسسة آليات المساءلة.