مؤشرات "عمر الحكومة"

من الواضح أنّ الهدوء بدأ يعود إلى مسار العلاقة بين "المبادرة" النيابية وحكومة د. عبدالله النسور، بعد الانتقادات الشديدة التي وجّهها منسّق "المبادرة" د. مصطفى حمارنة، للرئيس ووزرائه.اضافة اعلان
أوساط "المبادرة" تنفي أن يكون سبب التهدئة هو اللقاء الذي جمع رئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة، بكلّ من مصطفى حمارنة وسعد هايل سرور، وأن الطراونة طالبهما فيه بالتهدئة وعدم التصعيد مع الحكومة، كما كانت تسرّب كواليس النخبة السياسية.
وفقاً لأصحاب "المبادرة"، فإنّ السبب هو أنّ الحكومة سعت إلى المصالحة وإعادة المياه إلى مجاريها، ووعدت بالجديّة والالتزام بوضع جدول زمنيّ لتنفيذ برنامج الشراكة بين الطرفين. وهو ما تنتظره "المبادرة" بصورة وشيكة، بعدما ارتفعت أصوات المشكّكين من داخل "المبادرة" بمدى جدوى الشراكة مع حكومة النسور.
المفارقة أنّ الهدوء على جبهة "المبادرة"، برعاية الديوان الملكي، جاء متزامنا مع احتفالات الاستقلال، وما أثاره تقليد رئيس الوزراء د. عبدالله النسور وسام "النهضة عالي الشأن" من مفاجأة وتكهّنات وتحليلات، طغت على نقاشات النخب السياسية وتساؤلات الإعلاميين.
بالضرورة، انقسمت آراء النخب بين اتجاهين: الأول، يرى في تقليد النسور هذا الوسام إيذانا بقرب رحيل الحكومة، بخاصة أنّ الرئيس نفسه تفاجأ؛ فلم يكن يعرف بهذا التكريم. والثاني، أنّه تأكيد على مدى الثقة في الحكومة، ودعم معنوي لها، ولما قدّمته خلال المرحلة الماضية. لكن لا أظنّ أنّ النسور نفسه يعرف، حقّا، أيّ التفسيرين أقرب إلى الصواب، ولعلّه في قرارة نفسه يعيش حيرةً أكبر من حيرة المحلّلين أنفسهم!
عموماً، فإن "تبريد" الأزمة بين الحكومة و"المبادرة"، ودخول "الديوان" على الخط، بمثابة مؤشّر مهم على أنّه إذا كان هناك تفكير في تغيير الحكومة، فلن يكون قريباً. والمطلوب حالياً هو تمرير الدورة البرلمانية الاستثنائية، والانتهاء من قوانين مهمة على أجندتها، مثل قانون ضريبة الدخل وقانون الاستثمار، وغيرها من واجبات تشريعية مستعجلة، قبل الوصول إلى الدورة البرلمانية العادية المقبلة.
ذلك يعني بأنّ مطبخ القرار أجّل، على الأرجح، أي نقاش حول مصير الحكومة ومستقبلها إلى الدورة العادية. وإذا كان الوسام الحالي يعني شيئاً، فهو لا يرتبط بإشارة إلى رحيل الحكومة أو بقائها، بقدر ما يعكس تقدير "مطبخ القرار" للرئيس على اجتياز مرحلة حساسة وخطرة في تاريخ الأردن، ولمسيرته السياسية الطويلة مع الدولة والحكومات والبرلمان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
إلى الآن، ما تزال معادلة تغيير الحكومة أو بقائها أمام صانع القرار متأرجحة. فعلى الصعيد الأول، فإنّ العامل الأهم هو تلاشي الفاعلية السياسية، وبطء الحكومة وتلكئها في مواجهة الأزمات السياسية واليومية، وضعف الأداء الميداني الواضح في كثير من الوزارات، ثمّ يأتي القلق من عدم وجود مخططات عميقة ومؤثرة تتعلّق بالمديونية والعجز والبطالة والفقر، وضعف المبادرة إلى استثمار الحالة الإقليمية لتنشيط السياحة والاستثمار.
أمّا اعتبارات بقاء الحكومة، فتتمثّل في القضية رقم (1) دائماً، وهي عدم رغبة الملك في تغيير الحكومات ورؤساء الوزراء، وإنما إبقاؤها أطول مدّة زمنية ممكنة. يضاف إلى ذلك معضلة البديل، مع تعقيداتها الجديدة المتعلقة بمشاورة البرلمان والكتل النيابية، والعودة إلى الشهية المفتوحة لدى النواب لتوليد حكومة نيابية من رحم المجلس، مع قناعة أروقة القرار بأنّ البرلمان غير مؤهل بعد لهذه المرحلة الجديدة، حتى بعد تغيير النظام الداخلي!
المفاضلة ما تزال في أروقة القرار تعزّز خيار البقاء، وتمرير الأشهر المقبلة. في المقابل، يكشف أداء الحكومة، خلال الآونة الأخيرة، حاجتها المستعجلة إلى "أفرهول" (تعديل)، قبل أن تتعطّل قدرتها على الحركة ذاتياً، وتصبح هي من ينتظر رصاصة الرحمة!