مادبا: أصحاب الحرف اليدوية التقليدية يئنون تحت وطأة الإفلاس

تعبيرية
تعبيرية

أحمد الشوابكة

مادبا – يئن أصحاب الحرف اليدوية التقليدية في مدينة مادبا، تحت وطأة الإفلاس بسبب ضيق الحالة الاقتصادية وما خلفته جائحة كورونا من تداعيات فرضت إغلاق مشاغلهم إلى أجل غير مسمى، وتكبدهم خسائر كبيرة، أدت إلى تراكم الديون المترتبة عليهم دون تعويض مالي عن فترة الإغلاق، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية إلى حدٍّ كبير، حسب وصفهم.اضافة اعلان
ويدعو هؤلاء الحكومة إلى الالتفاف إليهم، وإيلائهم الأهمية، لحماية مهنتهم من الاندثار، بعد أن أفنوا أعمارهم في ممارستها، معربين عن قلقهم ممن وصفوهم بـ"السماسرة"، إلى جانب خطورة العمالة الوافدة على المهنة، الأمر الذي يتطلب وضع أسس ضابطة تعنى بالنهوض بالحرف اليدوية ووقف سيطرة المكاتب السياحية على مواعيد زيارة السياح الأجانب.
ويمتهن العشرات من سكان مدينة مادبا حرفا يدوية مختلفة، تعد رافداً مهماً لقطاع السياحة في واحدة من أعرق المدن الأردنية، إلا أنها تشهد قلة اهتمام بالحرف اليدوية، حسب ما ذكره الفنان التشكيلي، حسين الفاعوري، في زيارته الأخيرة للأردن، حينما أشار إلى أن القاعة الهاشمية التابعة لبلدية مادبا الكبرى، تُبرز القيمة الإبداعية للفن العجمي على يده، إلا أنه ترك هذه المهنة باحثاً عن لقمة عيشه في الخارج.
كما ترك الفنان التشكيلي، نعيم المصو، مهنة النحت على الرخام، بسبب قلة الدعم والرعاية لهذا الفن الذي يثبت قدرة المواطن على إنجاز أعمال شبيهة لأجداده الأوائل (الأنباط)، الذين نحتوا الصخر لينجزوا إحدى عجائب الدنيا السبع (البترا)، داعيًا الجهات المسؤولة إلى رعاية الطاقات الإبداعية ووقف "نزيف الدخلاء" على الحرف التقليدية، الذين ساهموا في تشويه قيمة الحرفة.
ولم يستطع الصائغ، حنا حنانيا، الاستمرار بحرفة صياغة الفضيات في محله الخاص، بسبب ارتفاع قيمة الإيجار السنوي الذي ترتّب عليه، ما اضطره إلى إغلاق المحل والعمل خارج مدينة مادبا.
ويرى حنانيا، أن غلاء الإيجار فيه محاربة للحرف التقليدية، خصوصاً مع توفير البدائل من الصناعات الصينية الأقل جودة، وعدم اهتمام الحكومة بتعليم حرفة صياغة الفضيات كفرع أساسي بالتعليم المهني، داعياً إلى إنقاذ هذه الحرفة من الاندثار.
وفي السياق ذاته، يروي أصحاب مشاغل صناعة الفسيفساء، معاناتهم بسبب استيراد لوحات الفسيفساء من الصين وسورية، ما أفقد قيمة الحرفة التي تتميز بها مدينة مادبا، لوجود أرضيات الفسيفساء في كل أرجائها، إضافة إلى إقامة معهد متخصص لتعليم حرفة الفسيفساء، مطالبين الحكومة بمنع استيراد هذه اللوحات.
من جانبه، يُعرب الحداد، صالح وقاد، عن خشيته من انقراض مهنة السمكرة التي أمضى فيها نحو 60 عاماً، وبخاصة، تصليح مواقيد الكاز.
أما الحائك، وديع المعايعة، فيقول إنه لم يعُد يعمل بمهنة حياكة البسط على النول، وذلك بسبب غزو الأسواق المحلية بالمنتجات الآسيوية والعربية الأقل تكلفة والأدنى جودة، إضافة إلى وجود العمالة الوافدة التي تعمل بأجرة أقل وبشكل يؤثر سلباً على جودة البساط.
ويضيف المعايعة، أن من أسباب تركه للمهنة، تردي الأوضاع التي خلفتها جائحة كورونا نتيجةً للإغلاقات، ما أدى إلى تراكم الديون على كاهل أصحاب المشاريع، وبالتالي أضحت مهددةً بالإغلاق.
من جهته، يُعرب الحرفي، أسعد محمد شبوان، عن أسفه لما يراه في امتهان حرفة تنجيد المفروشات من بعض الدخلاء عليها، وخصوصاً العمالة الوافدة التي تستخدم الصوف الصناعي، ما يسيء إلى هذه المهنة، نظراً لأهميتها التراثية، مطالباً بتدخل الجهات المسؤولة للحد من إعطاء تراخيص لمن لا يملكون خبرةً في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، يشير رئيس جمعية تطوير السياحة والحفاظ على التراث، سامر الطوال، إلى أهمية الحرف التقليدية والتراثية والحفاظ عليها من الانقراض، كأحد مهام وأهداف الجمعية، ما أسهم في تشجيع الحرفيين بالاستمرار بالمهنة، وإنعاش هذه الحرف التي شكلت جزءًا مهمًّا في حياة الناس على مدى السنين.
ويضيف الطوال، أن أغلب الحرف، أضحت مقتنيات مهمة، تُزين البيوت والمطاعم السياحية والفنادق، وبخاصة فيما يتعلق بالبساط المادي الذي يتوسط البيوت في مادبا، إضافة إلى انتشاره في المطاعم والفنادق، لأن وجوده يبعث رسالة بأهمية التطور الذي واكبه الإنسان في مادبا.
ويؤكد، أن الجمعية تعمل على إنصاف الحرفيين، كي يستمروا في هذه الصناعات المهمة والبارزة، والتي تعطي دلالة على إنتاجية احتياجات الفرد اليومية، معربًا عن أسفه لما آلت إليه الأمور في تعطيل الحركة الإنتاجية لهذه الحرف.
ويبين الطوال، أن السبب في ذلك يعود إلى جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على الحركة السياحية منذ ما يزيد على عام ونصف العام، إضافة إلى بعض الأمور المتعلقة بترويج تلك الحرف والمصنوعات اليدوية والتقليدية التي بدأت تفقد متانتها وجودتها بسبب عملية الاستيراد من الخارج.
ويدعو إلى عدم استيراد الصناعات الحرفية اليدوية، حتى لا تفقد قيمتها التراثية والتاريخية، مطالباً الحكومة بإيلاء الاهتمام لهذه الحرف ودعم صانعيها للاستمرار بالمهنة.
من جانبه، يؤكد مدير مديرية سياحة مادبا، وائل الجعنيني، أن وزارة السياحة والآثار تولي اهتمامًا بالغا للحرف اليدوية، وتدعمها من خلال إقامة المهرجانات والمعارض التي تقيمها سنويا، إلا أن جائحة كورونا لها تأثير بالغ وهذا خارج عن إرادة الحكومة.
ويضيف الجعنيني، أن أغلب المواقع التي توجد فيها مشاغل الحرف اليدوية تدخل ضمن المسارات السياحية، كما تقوم الوزارة بإعطاء رخص لمشاغل الحرف التقليدية واليدوية كجزء من مهامها للحفاظ على هذه الحرف.