ماذا بعد إلغاء عطايا مبارك لإسرائيل من الغاز الطبيعي

القضية الفلسطينية ظلت حاضرة بقوة في احتجاجات ميدان التحرير القاهري - (أرشيفية)
القضية الفلسطينية ظلت حاضرة بقوة في احتجاجات ميدان التحرير القاهري - (أرشيفية)

فرانكلين لامب* – (كاونتربنتش) 2/5/2012

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

يطالب الشعب المصري راهناً باستعادة سيادته. ووفق استطلاعات الرأي العام الأخيرة، فإن المصريين يعتقدون أنه تم التنازل عن هذه السيادة جزئياً لصالح إسرائيل من جانب الدكتاتورين اللذين خلفا جمال عبد الناصر؛ أنور السادات وحسني مبارك، نزولاً عند طلب الإدارات الأميركية المتعاقبة، من نيكسون إلى أوباما.اضافة اعلان
ومما لا شك فيه أن إزالة القيود الثلاثة المذلة للمصريين، المتمثلة في نظام عطايا الغاز، واتفاقيات كامب ديفيد للعام 1979، والاعتراف بإسرائيل، التي أملتها الولايات المتحدة، تشكل هدفاً استراتيجيا للأمن القومي بالنسبة لمعظم المواطنين المصريين البالغ عددهم نحو 82 مليون نسمة. وطبقاً لنتائج استطلاع الرأي العام الذي أجري لصالح "برس تي في" ونشر يوم 3 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2011، فإن 73% من المصريين الذين استجابوا عارضوا شروط الاتفاقيات. واليوم، نجد أن الرقم يقدر بحوالي 90%.
للأعوام الثمانية الماضية، كانت صفقة الغاز التي أبرمت في العام 2004 لا تحظى بشعبية على نطاق واسع. كما أن واحدة من التهم الموجهة حالياً ضد مبارك هي أن الرئيس المخلوع باع غاز مصر كجزء من صفقة تشتمل على حالات ابتزاز لأعضاء العائلة والمقربين والمسؤولين الإسرائيليين. وكان محمد شعيب، رئيس الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي قد قال لوكالة فرانس برس مؤخراً أن صفقة الغاز "قد ألغيت مع شركة الغاز الإسرائيلية لشرق البحر الأبيض المتوسط، لأن الشركة فشلت في احترام الشروط المنصوص عليها في العقد".
ومع سقوط مبارك وتفكك أجهزته الأمنية السرية الأربعة عشر وفقدانها لبعض نفوذها الشمولي، تم قطع تدفق أنبوب الغاز الواصل إلى إسرائيل 14 مرة في غضون 12 شهراً بفعل سلسلة من التفجيرات التي تسببت في وقف 40% من إمدادات إسرائيل بالغاز، والتي كانت تستخدم لتوليد الكهرباء.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحالياً في حملة الانتخابات الرئاسية، يناقش المصريون العلاقات مع إسرائيل جهاراً لأول مرة. وفي السابق، كان مبارك حاميا لإسرائيل، ومتشبثاً بالسلطة مثل باقي القادة العرب، فتجاهل مطالب شعبه بدعم تحرير فلسطين بفعالية ونشاط.
 وفي أواخر كانون الثاني (يناير) من العام 2011، قدم طالب في جامعة الاسكندرية شرحاً لكاتب هذا التقرير ومجموعة صغيرة من الأميركيين والأوروبيين الذين كانوا جالسين على مقاعد قبالة المكتبة الكبرى للمدينة القديمة. وشرح في معرض استحضاره مطالب احتجاجات ميدان التحرير يوم 25 كانون الثاني (يناير) من العام 2011: "كانت شعاراتنا في ميدان التحرير هي: الخبز والحرية والعزة والكرامة والعدالة الاجتماعية. وكان ذلك تقريباً قبل عام. وإن شاء الله سنحقق قريباً مطالب ثورتنا التاريخية، والتي تتضمن إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد وسحب الاعتراف بالنظام الصهيوني الذي ما يزال يحتل فلسطين. ويجب أن تعود مصر لقيادة الواجب المقدس للأمة العربية، الذي يكمن في تحرير القدس وكل فلسطين من النهر إلى البحر".
وأدلت طالبة محجبة بدلوها في الحوار وأطلعتنا على رأيها: "لقد اشترت الولايات المتحدة بعض قادتنا ببلايين الدولارات في أعطيات سخية من شعبكم، لكن بدون أي فائدة حقيقية لنا. وكانت اتفاقيات كامب ديفيد بالأساس اتفاقية خاصة وقعها السادات ثم مبارك. ولم يكن لشعبنا أي كلمة فيها، كما إننا لم نُسأل عما إذا كنا موافقين. ولو أننا احتججنا لكنا قد أودعنا السجون أو أسوأ من ذلك. والآن، فإن الشعب المصري يكسب السلطة على الرغم من أرجحية وقوع انقلاب عسكري تقوم به الطغمة العسكرية في المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية قبل انتخابات حزيران (يونيو) المقبلة."
ويدعي المسؤولون الإسرائيليون، بالتناغم مع اللوبي الصهيوني الأميركي، بأن إلغاء اتفاقية الغاز يشكل "تهديداً وجودياً". ووفقاً لبحاثة في وكالة أبحاث الكونغرس الأميركي في مبنى ماديسون في الكابيتول هيل، الذي تتضمن وظيفته متابعة الادعاءات الإسرائيلية، فإنه كان "التهديد الوجودي" رقم 29 من نوعه الذي عرفته الكولونيالية الصهيونية في تاريخها البالغ 64 عاماً. وتتفاوت هذه التهديدات الوجودية ما بين حق العودة للفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم خلال وبعد النكبة في العام 1948، إلى وجود الفصائل الفلسطينية المختلفة، وإلى أكثر من دزينتين من قرارات الأمم المتحدة، بما فيها القرارين 194 و242، إلى حزب الله بالطبع ومشروعات حركة التضامن الدولية، إلى أكاديمي يهودي أو اثنين، إلى إيران بالتأكيد، إلى تزايد مدونات الإنترنت، وفعلياً إلى كل مسيحي وعربي ومسلم على الكوكب، ناهيك عن التصاعد المزعوم للنزعة الكونية المعادية للصهيونية، والتي وصفها اللوبي الصهيوني الأميركي مؤخراً بأنها شكل سّمي آخر من أشكال النزعة المعادية للسامية.
وعلى الرغم من كل هذه "التهديدات الوجودية" التي يتم الشعور بها، بما في ذلك مؤخراً ما يدعى "خريطة الطريق،" فإن القادة الإسرائيليين يستمرون في تحاشي خوض أي مفاوضات رئيسية، والتي قد تعني تقاسم العرب واليهود لفلسطين كجزء من دولة ديمقراطية علمانية على أساس شخص واحد وصوت واحد، وباستبعاد أي حماقة من نوع "الشعب المختار".
وكان وزير المالية الإسرائيلية يوفال شتينيتز قد حذر مؤخراً من أن إقدام مصر على إعادة دراسة علاقاتها مع إسرائيل يعد "سابقة خطيرة تهدد اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر".
وقالت "إمبال" الشركة الإسرائيلية التي تشتري الغاز، إنها تعتبر إنهاء العقد "غير قانوني وبدافع سوء النية،" وطالبت باستعادة العمل بالاتفاقية بالكامل. وتخطط "إمبال" لاستخدام التحكيم الدولي في محاولة للحصول على تعويض، وهي بصدد إرسال وفد قانوني إلى واشنطن للاجتماع مع مسؤولين من اللجنة الأميركية الإسرائيلية العامة (آيباك) ومن الإدارة الأميركية، لتطلب منهم إبطال الإجراء المصري وإجبار مصر على الاستمرار في بيع غازها الطبيعي الأقل من سعر السوق. وقد تندر أحد موظفي الكونغرس في رسالة إلكترونية من أن الشركات الإسرائيلية تحصل على خدمات من الكونغرس أفضل من الخدمات التي تحصل عليها الشركات الأميركية، أو حتى المواطنين الأميركيين في الدوائر الانتخابية التي ينتخبون أعضاءها.
وكان المحلل السياسي الإسرائيلي، إسرائيل هيوم، قد كتب في الأسبوع الماضي قائلاً: "إن الخلاصة المؤلمة التي نستقيها من انهيار اتفاقية الغاز هي أننا نعود إلى الأيام التي سبقت اتفاقية السلام مع مصر، فيما لا يبدو الأفق وردياً على الإطلاق. وقد أصبحت (اتفاقيات) كامب ديفيد في خطر مميت. ولعل النتيجة المؤلمة التي نخلص إليها مرة أخرى هي أنه لا يوجد لنا أصدقاء أصيلون في المنطقة. وبالتأكيد على المدى البعيد."
كما نعى آبي فوكس مان من "إيه دي إل" الحال بالقول: "لقد أعطت إسرائيل الكثير جداً في مقابل اتفاقية كامب ديفيد، الكثير جداً مما كان يتوجب علينا إعطاوه. ومن بين أمور أخرى منطقة تجارة حرة، والتي دفعنا فيها بشكل حقيقي لتأسيس ورشات حياكة وصناعة نسيج مصرية بحيث يستطيع المصريون تصدير القطن رخيص الثمن والسلع الأخرى إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بسهولة. وقد جعلنا من المصريين شعباً محترماً في أعين الجمهور الأميركي. وهكذا يقابل جميلنا نظير ما يريدون منا!"
وبدون إهمال لما يجري، شرعت اللجنة الأميركية الإسرائيلية العامة (آيباك) في توزيع مسودة مشروع قرار لناشطيها الرئيسيين في الكونغرس مؤخراً، بهدف حمل الكونغرس الأميركي على إدانة إلغاء عطايا الغاز وللمطالبة بتجديدها فوراً تحت طائلة التهديد بوقف المساعدات الأميركية المقدمة لمصر. وقد بدأ اللوبي في عصر إدارة أوباما مهدداً بقطع المنح اليهودية في حال لم يتم فعل أي شيء لإقناع مصر بأن "تكون واقعية،" وفقاً لكلمات الصهيوني المتشدد هوارد بيرمان، وهو الديمقراطي المرموق في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي.
وتتمثل الواقعية الأميركية في أن الدبلوماسيين الأميركيين وآيباك والمسؤولين الإسرائيليين الذين يصعب التفريق بينهم في بعض الأحيان، ما فتئوا يسعون لإحداث خلل في العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ مظاهرات الربيع الماضي في ميدان التحرير. وهم يخشون حقاً من أن تكون اتفاقيات كامب ديفيد والسفارة الإسرائيلية في القاهرة هما الهدفان التاليتان عندما يؤيد ذلك الشعب المصري.
وفي ما يتعلق بالإقفال المتوقع للسفارة الإسرائيلية، استناداً للصحيفة الإسرائيلية اليومية "يديعوت احرونوت" فإن "ما لدينا راهناً هو تدهور سريع في العلاقات: إذ لم يعد بمقدور الإسرائيليين أن يطأوا الأرض المصرية، كما أن القنصلية المصرية في تل أبيب لا تملك تفويضاً بإصدار تأشيرات دخول. كما يستطيع أي شخص يصر على الذهاب إلى مصر من إسرائيل، حتى لو كان يمتلك جواز سفر أجنبيا، توقع الوقوع في مشاكل. وقد ينضم اسمه إلى قائمة الجواسيس وعملاء الموساد. إنهم لا يريدوننا. الأمور بهذه البساطة. كما أن من الخطر جداً بالنسبة للإسرائيليين التواجد في مصر حالياً."
ووفق الناطق بلسان نتنياهو، مارك ريغيف، فإنه "ليس ثمة أحد أيضاً سيؤجر مبنى للسفارة الإسرائيلية في القاهرة ولموظفي السفارة القليلين برئاسة السفير ياكوف أميتاي. ونظراً لاعتبارات أمنية، فقد خفضنا عملهم الأسبوعي على نحو كبير. ويصل الموظفون إلى القاهرة بعد ظهر يوم الاثنين ويغادرون يوم الخميس مبكراً. وفي كل مرة يتم العثور فيها على مكان للسفارة (بسعر باهظ) يرفض مسؤلو الأمن المحلي الصفقة. وفيما يتعلق بالمصريين، يستطيع الدبلوماسيون الإسرائيليون المكوث في القدس إلى أن يتم انتخاب رئيسهم التالي، ثم سنرى ماذا سيحصل".

*باحث مقيم في لبنان.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Will Sadat's Camp David and the Zionist Embassy be Next

[email protected]