ماذا بعد الحرب بين إسرائيل وحماس؟

مقاتلون من "حماس" على عربة تحمل منصة لإطلاق الصواريخ - (أرشيفية)
مقاتلون من "حماس" على عربة تحمل منصة لإطلاق الصواريخ - (أرشيفية)

ألون بن مئير – (ميدل إيست أونلاين) 28/5/2021

الآن، بعد أن انتهت الحرب الثالثة بين إسرائيل وحماس بشكل غير حاسم مثل الحربين السابقتين، هل سيستعد الطرفان للحرب التالية، أم أنهما سيدعان العقلانية تسود ويرسمان مسارًا جديدًا كُلية، من شأنه إنهاء الحلقة المفرغة التي لا يمكن لأي طرف أن ينجو منها؟

  • * *
    جولة مقبلة
    لا يمكن لأي مراقب مهتمّ بالنزاع الشرس بين إسرائيل وحماس أن يتوصل إلى أي نتيجة بخلاف أن كلا الجانبين كان وما يزال موهومًا بشأن تحقيق هدفه المفترض، المتمثل في تدمير الآخر تمامًا. وإذا قدمت التجارب السابقة أي درس، فهو أنه يمكن لإسرائيل أن تلحق دمارًا هائلاً مصحوباً بسقوط ضحايا -وحتى إن تقطع رأس قيادة حماس- لكن حماس ستظل على قيد الحياة وستعيد تجميع صفوفها وبناء ترساناتها، وستظهر أقوى مرة أخرى. وبينما تستطيع حماس إطلاق آلاف الصواريخ، فإنه يمكن لإسرائيل أن تمتص مثل هذا الهجوم وتصعِّد لتفرض ثمنًا أكبر. ومن المؤكد أنه لا يمكن لأي من الطرفين تغيير المعادلة، وإنما تمهيد الطريق للجولة التالية فحسب.
    ومما يساهم في إدامة هذا المأزق حقيقة أن إسرائيل تقوم بتقييم نتيجة الحرب على أساس مقدار الدمار الذي ألحقته، وعدد المقاتلين الذين قتلتهم، ومدى إضعاف قدرة حماس الهجومية. وبما أن إسرائيل تعتبر حماس عدوًا إرهابيًا لا يمكن إصلاحه، فإنها ترى أنه يجب احتواؤها على طريقة "جز العشب" كل بضع سنوات.
    وفي المقابل، تقيس حماس النتيجة سياسياً ونفسياً وتأثيرها على الجمهور الفلسطيني. وبهذا المعنى، يمكن لحماس أن تدعي النصر بحق في هذه الحرب الأخيرة، لأنها نجحت في انتزاع عباءة المُدافِع عن القضية الفلسطينية و"الوصي الحقيقي على القدس الشرقية". وإضافة إلى ذلك، وجهت حماس ضربة سياسية كبيرة لمنافستها –السلطة الفلسطينية– في أعقاب رد فعل السلطة الضعيف على الاضطرابات التي حدثت في القدس الشرقية.
    وفي الحقيقة، لا يمكن لإسرائيل وحماس تجاهل الواقع الواضح المتمثل في أنه لا يمكن لأي منهما إلغاء وجود الأخرى. وعليهما أن تقررا من أين تذهبان من هنا، وأن تدركا أن الوضع الراهن غير قابل للاستدامة، كما ثبت مرارًا وتكرارًا.
    زيادة الضغط الجماهيري
    الفلسطينيون في غزة يائسون. إنهم يعانون الفقر والبطالة التي بلغت نسبتها 50 في المائة، ونظام رعاية صحية منهار ونقص في الأدوية والغذاء والغاز والكهرباء، هذا إلى جانب الإصابات والدمار الذي تعرضوا له خلال الحروب المدمرة. وهم يريدون إنهاء الصراع مع إسرائيل. وعلى الرغم من عدم التعبير عن هذا الشعور بحرية، فإن قيادة حماس تدرك تمامًا أن إلقاء اللوم على إسرائيل في محنة الشعب ليس له صدى إلا إلى حد معين. ويجب عليهم تلبية مطالب جماهيرهم إذا كانوا يريدون تجنب وقوع اضطرابات واسعة النطاق.
    وبالمثل، يزداد إحباط الإسرائيليين من الطريقة التي يتعامل بها نتنياهو مع الصراع مع حماس (هذه هي الحرب الثانية غير الحاسمة التي تخاض مع حماس تحت إشرافه). وتعاني المجتمعات المجاورة لغزة أكثر من نصيبها من القلق والخوف والاضطراب في حياتها اليومية. ويشعر معظم الإسرائيليين بالاستياء من اضطرارهم إلى الإسراع إلى الملاجئ لعدة أيام للحماية من الصواريخ، كل ذلك في الوقت الذي يتأثر فيه الاقتصاد بشدة وتتصاعد تكلفة هذه الحروب باستمرار مع عدم وجود نهاية في الأفق لهذه الحلقة الدموية.
    وفي ضوء الحرب الأخيرة ونتائجها غير الحاسمة، قد تضطر إسرائيل وحماس إلى إعادة النظر في علاقاتهما ورسم مسار جديد لتغيير دينامية الصراع الذي يمكن للطرفين الاستفادة منه.
    أولاً، وقف إطلاق نار طويل الأمد: لم يعد قرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالرد الفوري (بشكل غير متناسب) على أي استفزاز لحركة حماس، كما كان الحال في كل حرب، هو الحل. يجب على إسرائيل التي ساعدت في قيام حماس في المقام الأول لموازنة منظمة التحرير الفلسطينية وشهدت نموها وتطورها على مدى العقود الثلاثة الماضية، أن تعترف بأنها ببساطة لا تستطيع أن تحقّق زوالها. وقد حان الوقت لأن توافق إسرائيل على وقف إطلاق نار طويل الأمد (هدنة) لمدة 15-20 سنة، وهو ما تسعى إليه حماس منذ عدة سنوات. لكنّ لدى إسرائيل مخاوف مشروعة من أن تقوم حماس خلال فترة الهدوء الطويلة هذه بمراكمة المزيد من الصواريخ وبناء المزيد من الأنفاق وتحسن قدراتها الهجومية والدفاعية بشكل كبير.
    ويمكن التخفيف من هذه المخاوف من خلال استخدام المكافآت والردع. وتكون الأولى من خلال إغراء حماس بأن الامتثال الكامل سيؤدي إلى رفع تدريجي للحصار وإعادة بناء البنية التحتية. والثانية، سيؤدي انتهاك الاتفاقية إلى دفع إسرائيل إلى توجيه مثل هذه الضربة الهائلة التي قد لا تتعافى منها حماس بسهولة. وفي هذا الصدد، كانت ترسانة حماس من الصواريخ والأسلحة الأخرى نقطة خلاف رئيسية بين الإسرائيليين. وتحت شروط وقف إطلاق نار طويل الأمد، يجب أن تبقى ترسانة حماس الحالية مقفلا ًعليها تحت إشراف مباشر من مصر التي توسطت منذ فترة طويلة بين إسرائيل وحماس.
    ثانيًا، إعادة بناء البنية التحتية لقطاع غزة: يشكل إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة والمانحين الآخرين سيقدمون مليارات الدولارات لإعادة بناء ما دُمّر خلال الحرب الأخيرة وتوسيع البنية التحتية شيئاً بالغ الأهمية. إن بناء المدارس والمستشفيات والمساكن والطرق وشبكات الكهرباء هو أمر بالغ الأهمية لكل فلسطيني في غزة، ولقيادة حماس أيضاً. وعلى الرغم من أن حماس تحدت إسرائيل في الماضي وهي تدرك أنها تستدعي بذلك رداً عسكرياً إسرائيلياً واسع النطاق، فإنها ستصبح الآن –نظرًا لمدى صعوبة الظروف في غزة– أقل ميلًا إلى تحدي إسرائيل مرة أخرى، خاصة إذا كانت تريد الحفاظ على مكاسبها السياسية من الحرب الأخيرة.
    من الواضح أن الولايات المتحدة ستقوم، بدعم من دول أخرى، بإنشاء نظام مراقبة غير مقيّد لمنع حماس من تحويل أي من المساعدات التي تتلقاها لأغراض عسكرية، وخاصة بناء الأنفاق وتصنيع الصواريخ والتدريب. وفي الحقيقة سيكون من الحكمة إشراك حماس في جهود إعادة الإعمار لجعلها مرتبطة بشكل متزايد بالعملية.
    ثالثًا، الرفع التدريجي للحصار: بالتزامن مع وقف إطلاق نار طويل الأمد، يجب على مصر، وبدعم قوي من الولايات المتحدة، العمل مع إسرائيل وحماس على خطة ترفع الحصار تدريجياً على مدى خمس سنوات. ويجب أن يكون الرفع الكامل للحصار مرتبطا مباشرة بنبذ حماس للعنف ضد إسرائيل، ويجب أن يثبت ذلك من خلال منع أي عمل عدائي ضد إسرائيل قد تقوم به أي مجموعة من داخل غزة. وعلاوة على ذلك، يجب على حماس أن تلتزم بالنأي بنفسها عن الإخوان المسلمين لأن القاهرة تلعب دورًا مركزيًا في أي وقف لإطلاق النار وتنفيذه، وهي تعتبر الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
    هذه هي اللحظة التي يجب أن يدرك فيها قادة حماس أنه لا يكفي التباهي بالنصر النفسي والسياسي الذي حصدوه من الحرب. يجب أن يترجموا ذلك إلى مكاسب عملية. ولديهم الآن فرصة حاسمة لتغيير دينامية الصراع بأكملها من خلال إظهار الاعتدال. وسيكون من الأكثر حكمة بالنسبة لإسرائيل أن تغتنم اللحظة وتتجاوز الفكرة القديمة والمرهقة القائلة بأن حماس لا يمكن إصلاحها، ببساطة.
    قد يبدو ما ورد أعلاه منطقيًا للغاية بالنسبة لنهج يهدف إلى حل مثل هذا الصراع المستوطن بين الخصوم الأقوياء، حيث تتصاعد المشاعر وتتعمق الكراهية ويكون عدم الثقة أمرًا مستهلكًا للذات فحسب. وعلى أي حال، أدعو أي زعيم إسرائيلي أو زعيم من حماس ليوضح لي ما إذا كان هناك أي بديل آخر قابل للتطبيق ولديه أي فرصة لأن يكون مقبولاً من كلا الطرفين.
اضافة اعلان

*د. ألون بن مئير: صحفي إسرائيلي من أصل عراقي. ولد في بغداد العام 1937. مختص بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة مفاوضات السلام بين إسرائيل والعالم العربي. حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد في بريطانيا. يعتبر من داعمي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومن خصوم اليمين الإسرائيلي المتطرف. درّس في جامعة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية. ويعتبر من أشد المتحمسين لمبادرة السلام العربية التي ظهرت في العام 2002. لديه عمود أسبوعي في الجروزالم بوست، كما ينشر مقالات في "ميديل إيست بوست"، و"نيوساينز مونيتور" و"لوموندو".