ماذا بعد حلب؟

حسم معركة حلب لمصلحة النظام وحلفائه، لا يعني توقف الصراع في سورية. لكن انتزاع النظام حلب من المعارضة، سيعني مرحلة جديدة من الصراع، ستُحدِّد مجدداً أحجام القوى المحلية، فضلاً عن إعادة تقدير أوزان الفاعلين الإقليميين والدوليين في القضية السورية. ومع تراجع فرص المعارضة في إطاحة نظام بشار الأسد، فإن الصحيح، حتى الآن، أن مستقبله السياسي ما يزال مرهوناً بروسيا وإيران ومليشياتها. وهذه الأطراف الأخيرة تدخلت لصالحه ولديها أجندتها وطموحاتها التي يلحّ مآل حلب على ضرورة البدء بقطاف بعضها، وهو ما ظهر باشتراط إيران، على الأغلب، أن يكون إخراج المسلحين من حلب مشروطاً بإخراج المعارضة للمحاصرين من قبلها في بلدتي الفوعة وكفريا والإفراج عن الأسرى ونقل جثامين القتلى وسوى ذلك. وهي شروط وتكتيكات يستفيد منها النظام للقول للرأي العام الدولي إن المحاصرين والمدنيين والحالات الإنسانية ليست حكراً على حلب وحدها! اضافة اعلان
التنامي في الاتصالات والتفاهمات بين موسكو وأنقرة سيشهد مزيداً من التصاعد من أجل إدارة أي هدنة أو عمليات إجلاء للمدنيين والمقاتلين، وصياغة أي أشكال جزئية من التسويات والمقايضات والمساومات. أي إن أهمية أنقرة في تنامٍ؛ لأن موسكو تحتاجها في إدارة ذلك كله. وقد لا يكون مبالغة أن يكون تزامن استعادة الجيش النظامي وحلفائه شرق حلب، مع تقدم قوات "درع الفرات" باتجاه مدينة الباب، جزءاً من التفاهم بين موسكو وأنقرة؛ أي إن ثمة أجزاء أخرى ستتولى أنقرة القيام بها في الفترة المقبلة، وبرضا، ربما، من القادم الجديد إلى البيت الأبيض.
سنرى أنّ طموح "المنتصرين على الشعب السوري" يتجاوز اليوم تأمين "سورية المفيدة". واستعادة تدمر اليوم، قبل إدلب، رغبة روسية قوية، بعدما أفسد احتلال "داعش" لها "النصر" الروسي، ما يُحيل استعادتها مرهماً لانجراح "النرجسية البوتينية"، برغم استواء صورة إدلب كبؤرة لتجمع "الإرهابيين" كما يريد الكرملين أن يراها العالم. سنرى أيضاً أنّ تأمين أرياف حمص وحماة لن تقلّ أهمية، وفي حال استمرار حالة التفكك والتراجع في صفوف المعارضة، وبقاء "الفيتو" الأميركي على الأطراف الإقليمية بعدم تزويد المعارضة بأي أسلحة نوعية تكسر تفوق سلاح الجو الروسي، وهو المرجح في ظل إدارة دونالد ترامب، فإن المتوقع، بحسب حديث السفير روبرت فورد لـ"الحياة"، أن يسيطر الأسد على إدلب خلال سنة.
التفوق العسكري للنظام وحلفائه على حساب الشعب والمعارضة، لا يعني غياب المعوقات أمام الطرف الأول، وسيبقى الاستقرار مستبعداً على الأقل في العامين المقبلين. كما سيبقى مستقبل الأسد مطروحاً للنقاش والمقايضات بين القوى الدولية والإقليمية، كما أن ثمة قيادات في النظام مطلوبة للعدالة الدولية، هذا فضلاً عن أنّ أي تفاهمات بين ترامب وبوتين حول سورية ستطرح تساؤلات عن مدى الفترة التي ستُبقي فيها روسيا على مستوى زخمها العسكري في سورية؛ ذلك أنّ أيّ احتمالات لانسحاب روسي سيعني اختلالاً في موازين القوى، ما سيضطر روسيا إلى المرابطة طويلاً هناك. والأقرب للمنطق أن يتجه ترامب إلى التفاهم مع بوتين على طلب مساعدة تركيا لضبط المعارضة، في محاولة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو تسويات جزئية، لأن التسوية الكلية تتطلب مظلة إقليمية ودولية أوسع تضم إيران وتركيا والسعودية والأردن ودول مجلس الأمن وغيرهم، أي الفاعلين المؤثرين في المستقبل السوري. وهي تسوية ستبحث الحل السياسي ومستقبل الأسد وشكل النظام (رئاسي أم برلماني) وشكل سورية (مقسمة أم موحدة، لامركزية أم الفيدرالية...). وبغير ذلك يصعب الحديث عن مصالحات مستقرة لإنهاء الصراع والتزامات بذلك أو طلب المشاركة في إعادة الإعمار.