ماذا ستفعل مصر بعد تشغيل أثيوبيا لسد النهضة؟

القاهرة- مع بدء إثيوبيا رسميا عن بدء توليد الكهرباء من سد النهضة الذي شيدته على نهر النيل الأزرق على الحدود الإثيوبية السودانية يتساءل العديدون ما الذي تنوي القاهره فعله بعد عدم جدوى العديد من المفاوضات حول آلية وأمد ملء السد والتي تجاهلتها أثيوبيا. وترفض القاهرة والخرطوم ملء بحيرة السد دون الوصول إلى اتفاق قانوني شامل وملزم لقواعد التشغيل، خاصة في فترات الجفاف. الخطوة الإثيوبية التي تمثل بداية فعلية لتشغيل السد دون الرجوع لدولتي المصب مصر والسودان، أثارت الكثير من الغضب داخل الأوساط الشعبية والرسمية في مصر، كما أنها أثارت الكثير من التساؤلات حول خيارات صانع القرار المصري بعد خطوة أديس بابا، وهل تمثل تلك الخطوة فرضا للإرادة الإثيوبية في مفاوضات السد المستمرة منذ ما يقرب من عقد؟ وهل تبقى أمام القاهرة خيارات للتعامل مع الواقع الجديد في أزمة السد الإثيوبي؟ الخطوة الوحيدة التي اتخذتها مصر لغاية الان هي بيان نشرته وزارة الخارجية على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قالت فيه "تعقيبا على الإعلان الإثيوبي عن البدء بشكل أحادي في عملية تشغيل سد النهضة، وذلك بعد سابق الشروع أحاديا في المرحلتين الأولى والثانية من ملء السد، تؤكد جمهورية مصر العربية على أن هذه الخطوة تُعد إمعانا من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي". ورغم إعلان الرئيس الاثيوبي آبي أحمد عن تشغيل السد بشكل رسمي، وهو أمر وصفه مراقبون بأنه استفزاز وتحد غير مسبوق من قبل أديس أبابا لحكومتي مصر والسودان؛ فإن الرد الرسمي المصري توقف عند بيان وزارة الخارجية. عقب الخطوة الإثيوبية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتساؤلات: كيف سترد مصر على هذا التحدي الإثيوبي؟ وما الدوائر التي ستتحرك فيها؟ وهل انتهى وقت التفاوض وبات البحث عن حلول أخرى ضرورة حتمية؟ المعارض الحقوقي هيثم أبو خليل طلب من مقر إقامته بالخارج عبر حسابه على "تويتر" اللجوء إلى الحل العسكري، في حين يرى وزير الري الأسبق الدكتور محمد نصر علام أن ما أقدمت عليه إثيوبيا يمثل فشلا، مرجعا ما وصفه بـ"المبالغة الإثيوبية" في تضخيم الاحتفال بتوليد كهرباء بسيطة من سد النهضة، إلى رغبتها في التغطية على تفاقم الأوضاع الداخلية وفقدان عشرات الألوف من القتلى وانتشار المجاعات بين ضحايا الحرب الأهلية، على حد قوله. ورأى مدير مركز البحوث العربية والأفريقية (غير حكومي) مصطفى مجدي الجمال، أن "موقف مصر أصبح حرجا وصعبا جدا"، مضيفا في تصريحات لموقع الحرة أن "تأخر مصر في اتخاذ أي موقف حاسم تجاه قضية السد، بالإضافة إلى الأوضاع في السودان والنفوذ الإثيوبي داخله، كل هذه الأمور تقيد النظام المصري وتجعله مكتوف الأيدي، حتى على المستوى الدبلوماسي"، مشيرا إلى أن "الوضع الدولي الحالي، سبب آخر لا يساعد مصر على اتخاذ موقف عنيف في هذا الملف، خاصة أن معظم الدول الأفريقية تقف مع إثيوبيا باعتباره سدا تنمويا". ولفت إلى أن روسيا والصين لديهما مصالح في الأنهار، كما أنهما يشاركان في عدد من السدود المشابهة في بعض الدول الأفريقية المجاورة، مثلما فعلت تركيا مع العراق. ومن بين الأمور التي تعلق عليها قطاعات كبيرة من الشعب المصري آمالها في إنهاء أزمة السد الأثيوبي الذي ينظر إليه على أنه أكبر تهديد وجودي للدولة المصرية، هو انهيار السد، حيث تحدث الإعلام المحلي مرارا عن أن السد مقام في منطقة انهيارات صخرية شديدة الخطورة. لكن عالم الجيولوجيا المصري الشهير فاروق الباز أكد مؤخرا أن السد لن ينهار، وأن جسم السد آمن تماما. مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن المسؤولين عن إنشاء السد اختاروا مكان إنشائه بعناية شديدة، كما أن الشركات العالمية والجهات التي ساهمت في بناء السد وأنفقت الملايين، ما كانت لتفعل هذا لو لم تكن على يقين من أن أموالها في محلها. ورغم مكانة الباز العلمية الرفيعة المستوى، فإن أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة خبير الموارد المائية عباس شراقي رد عليه، وقال إن تصريحاته غير دقيقة وغير علمية، مضيفا في تصريحات لفضائية "تن" (TeN) أن ما قاله الباز ليس علميا ولا يستند إلى دراسات، وأن "سد النهضة يبنى حاليا بأموال إثيوبية خالصة، وكان من المقرر أن تكون سعته 11 مليار متر مكعب، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق رفع سعته إلى 74 مليار متر مكعب، وهو ما يجعله مهددا بالانهيار"، على حد قوله. الدكتور خليل العناني أستاذ العلوم السياسة في جامعة جونز هوبكنز عبر في تصريحات صحفية، عن اعتقاده بأن خيارات مصر أصبحت محدودة للغاية في قضية سد النهضة، خاصة بعد الخطوة الإثيوبية الأخيرة المتمثلة في الإعلان رسميا عن تشغيل سد النهضة، وأن "الخيارات المتبقية لمصر هي خيارات من باب تقليل الضرر وليس تحقيق النفع"، مشددا على أن وجود السد وعمله بات أمرا واقعا لا تستطيع مصر إيقافه. واعتبر العناني أن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه مصر هو ضمانات من إثيوبيا بضرورة التشاور والتعاون أثناء فترات الجفاف من أجل تقليل المخاطر، مضيفا أنه "لتحقيق ذلك سيكون على مصر ضمان تأييد السودان لموقفها، ومحاولة الحصول على دعم صيني وروسي وأميركي وأوروبي فيما يخص الموضوع". أما الخيار الآخر الأكثر تشاؤما ولكنه قد يكون في طريقه ليكون أمرا واقعا كما يرى العناني، فيتمثل في بدء التفكير في شراء المياه من إثيوبيا ما لم يتم التوصل لاتفاق أو ضمانات بعدم تأثر مصر بعملية التعبئة، خاصة في أوقات الجفاف. ومن وجهة نظر العناني، فإن اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في آذار(مارس) 2015، قد أنهى حقوق مصر في مياه نهر النيل للمرة الأولى في تاريخ النهر الذي يعود لملايين السنين". ويرى محللون أن تلك الاتفاقية مكنت إثيوبيا من الحصول على تمويل دولي لسد النهضة. وكان وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور محمد عبد العاطي، قد أكد على جاهزية الدولة للتعامل مع كل السيناريوهات الخاصة بأزمة سد النهضة الإثيوبي. وخلال جلسة حوارية عقدت مؤخرا بمقر وزارة الري بشأن آخر تطورات قضية مياه النيل، شدد الوزير على أن مصر لن تسمح بحدوث أزمة مياه، مؤكدا أن "الدولة تتحرك في عدة اتجاهات سياسية وقانونية فيما يخص السد الإثيوبي"، و"أنها لا تعمل تحت الضغط". وأضاف أن السد الإثيوبي كبير الحجم، ويجب أن يكون هناك اتفاق ملزم وتبادل للبيانات وتعاون من الجانب الإثيوبي لتحقيق مكاسب للجميع، وليس العمل من جانب واحد. وكان مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق، قد أعلن عن تقديم خطاب لمجلس الأمن الدولي لتوضيح اعتراض مصر رسميا على خطوة إعلان إثيوبيا بشكل رسمي عن توليد الكهرباء من سد النهضة.-(وكالات)اضافة اعلان