ماذا سيفعل الفلسطينيون..؟!

من شبه المستحيل تصور تغيّر جوهري في السياسة والمسارات الفلسطينية مع القيادة الحالية. فقد تمّ تكييف كل المتغيّرات، باللين والإكراه، وبفعل الذات والآخرين، بحيث أُعدمت البدائل وأفقدت عمليتها. وإذا جاء بديل بظرف قاهر، فيغلب أن يكون أسوأ لأنه لن يأتي من عملية ديمقراطية يشارك فيها كل الفلسطينيين. وسيأتي إما من التكوينات المصلحية القابضة على القرار الفلسطيني نفسها، أو سيفرضه أعداء فلسطين العاكفين على تجريد الفلسطينيين من كل إمكانية وإرادة وأدوات، إن لم يكن تصفيتهم.اضافة اعلان
ماذا سيفعل الفلسطينيون سؤال مركب. قد يعني الاستفهام عما ستفعله «القيادة الفلسطينية» للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها وشعبها فيه. ويبدو أن الجواب الوحيد الذي يمكن أن تنسجم معه هذه القيادة –بالحكم من التجربة- هو: العودة إلى المفاوضات. ويرفض العدو العودة إلى المفاوضات لأنه ليس في حاجة عملية إليها، مع أنها عنت دائماً إطالة أمد الضياع الفلسطيني وفرصة لترسيخ الاحتلال وتضييق فلسطين. وبالتأكيد، يرى الكيان أن «قضايا الوضع النهائي» حُلت في «صفقة القرن»، وبذلك يكون الهدف من أي لقاء مع القيادة الفلسطينية هي التوقيع على «الصفقة» فقط. وهو لا يريد حتى هذا التوقيع، لأنه سيبقي حتى على الاحتمال شبه الميت لقيام دولة فلسطينية ولو على كيلومتر مربع من فلسطين. وهو ليس مضطراً، في الحقيقة، ما دام يسيطر على كل فلسطين التاريخية.
وبالطبع، هناك خيارات أخرى أمام القيادة الفلسطينية، وهي تهدد بها ولن تفعلها: حل «السلطة» وإجبار العدو على أن يُسمّى باسمه ويتحمل جريرته: كيان استعماري/ استيطاني، وليس دولة تتفاوض مع «دولة» على سلام؛ وهناك خيار مصالحة كل الفلسطينيين على مشروع وطني تحرري حقيقي عنيد، بعد طي الرايات الفصائلية والفئوية. وفي هذه الحالة الثانية، سوف تُستهدف القيادة الفلسطينية –مثل أي قيادة وطنية تشكل خطراً على استعمار- لكن الفلسطينيين سيكونون أكثر حرية وإمكانية في استعادة الرواية والأدوات ومحاولة انتزاع الحق من العدو، مع استحالة أخذه بالتسول و»القانون الدولي».
ماذا سيفعل الفلسطينيون، هو سؤال يتعلق أيضاً بالفلسطينيين «الآخرين» من غير قيادات وأعضاء الفصائل الذين يحتكرون التحدث باسم الملايين بلا تفويض. والإجابة عن هذا السؤال صعبة جداً. وهي –في الوضع المثالي- فرض التغيير في القيادة، وعزل الذين أثبتوا فشل ترتيباتهم وانفصالهم العجيب عن الشعب الفلسطيني ورغباته وحقوقه وتطلعاته. هل يمكن، مثلاً، قيام ناشطين بتشكيل إطار بديل واحد –واحد بالضرورة- والذي يخطط بمستوى «اللؤم» الذي اعتمده إطار «مؤتمر بال» الصهيوني، وبنفس الإصرار والقدرة على اجتراح الأدوات؟ وسوف يكون برنامج هذا الإطار هو الشيء الوحيد الطبيعي في الحالة الفلسطينية: جمع كل الفلسطينيين على الهدف الذي لا يختلف عليه اثنان: «وطن قومي للفلسطينيين في وطنهم التاريخي». وبقدر ما يبدو تطبيق هذا الاقتراح صعباً، فإنه ليس أصعب من إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تكون وطنية وتمثيلية وشاملة وديمقراطية، ما دام الذي يعيد التشكيل هو نفس صاحب الولاية المقدسة. وليس أصعب من قيام أي فلسطين ونيل أي حقوق بالشروط الحالية وأداء القيادة المحزن.
أم، هل يكتفي الفلسطينيون «الآخرون» بالدور الذي برعوا فيه كشأن مفروغ منه: التمسك بانتمائهم وهويتهم ومطالبهم الوطنية، ورفض اجتهادات «القيادة» التي تتجاهلهم تماماً، والانتظار حتى تتغير الأشياء؟ وهذا متحقق وليس اختياراً –بقدر ما يتعلق الأمر بالبديل الوحيد المرفوض: التخلي عن الهوية جملة وتفصيلاً ومحاولة الذوبان المستحيل في العالَم.
أياً يكن، فإن ما ينبغي أن ينخرط فيه الفلسطينيون هو إجراء مراجعة جذرية لأطر القيادة والعمل والخطاب، واستعادة الرواية الوطنية الأصلية والتعريف الشريف للمقاومة بكل أشكالها كخيار حتمي. وفي النهاية، يجب دائماً طرح السؤال: ما العمل؟ لإبقاء القضية حية على الأقل. وسوف تظهر الإجابات بالتأكيد. وفي الأثناء، سيطيل العجز الراهن والأداء العقيم تماماً أمد معاناة الفلسطينيين. وبدلاً من تكرار الالتماس الحزين الذي سمعناه قبل يومين أيضاً بأن ينتزع العالَم القضية من أميركا، مع البؤس الواضح لهذا الخطاب، ينبغي البدء بالاعتراف بأن «أوسلو» ومخرجاتها كانت خسارة صافية للفلسطينيين على كل صعيد. وأسوأ ما اقترفته كان تعريفها فلسطين بطريقة تهين فلسطين وأصحابها، واعترافها بأحقية العدو امتلاك وطن الفلسطينيين كله تقريباً. كل ذلك من غير أي فائدة على الإطلاق.