ماذا لو أصبحت إيران سورية التالية؟

كريستيان هوفمان - (ديرشبيغل) 14/8/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

من الممكن جداً أن نكون في وقت قريب بصدد التحدث عن الأزمة الإيرانية. وبعد أزمة اليورو، والأزمة الأوكرانية وأزمة اللاجئين، يمكن أن تشكل هذه الأزمة الجديدة العلامة الفارقة التالية في فترة مستشارية أنجيلا ميركل. ومع ذلك، مرة أخرى، يمكن أن تكون ألمانيا وأوروبا سائرتين متعثرتين إلى أزمة يمكن التنبؤ بها بوضوح. فبعد أزمة اللاجئين، قالت ميركل نفسها إن سياسة "إدارة الوجه إلى الناحية الأخرى" كانت خاطئة. كان ينبغي أن ندرك ما سيحدث، وكان يجب أن نفعل شيئاً حياله في وقت مبكر.اضافة اعلان
ولا يختلف الأمر مع إيران. فالبلد قلق. وما يزال الناس يخرجون فيه إلى الشوارع للتنفيس عن استيائهم اليومي منذ شهور. وكانت آخر مرة عانى فيها النظام من هذا القدر من الضغط قد حدثت أيام "الحركة الخضراء" في العام 2009. ومع ذلك، يبدو أن عدم الرضا هذه المرة ليس مقصوراً على حركة سياسية واحدة، ولا على طهران وحدها. في العديد من المحافظات الإيرانية، ينهض الناس للاحتجاج على النقص في المياه، وأسعار الخبز، والبطالة والمحسوبية. وهم يحتجون بغضب ويأس. وتتجذر أزمة إيران الاقتصادية في كل من المشكلات المحلية والدولية، والتي جاءت في جزء منها نتيجة لسوء الإدارة والفساد، وإنما جاءت أيضاً نتيجة لسنوات من العقوبات والعزلة.
العقوبات الصارمة التي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة فرضها الآن سوف تعمل فقط على مفاقمة الأزمة. ولم تترك إدارته أي لبس حول هدفها المتمثل في تركيع النظام الإسلامي في طهران. وتهدف العقوبات إلى إجبار الإيرانيين على القدوم إلى طاولة المفاوضات -أو زعزعة استقرار النظام. وهو نهج ينطوي على خطر كبير. فمن الناحية السياسية، تعد إيران من الدول نصف المستقرة فقط في المنطقة، ويمكن أن يكون ترامب في الطريق إلى أن يجعل منها سورية ثانية.
ليست إيران الدولة الوحيدة التي تجعلها سياسة ترامب الخارجية غير مستقرة أيضاً. فقد عمل دعمه الاستفزازي وأحادي الجانب للسعودية وإسرائيل على توتير الجبهات في المنطقة. ومن جانبها، تلقي إيران بثقلها للتدخل في أنحاء الشرق الأوسط كافة، مع وجود وكلاء لها في العراق، ولبنان، وسورية واليمن.
متاعب على بوابة أوروبا الخلفية
إن الشرق الأوسط هو جار أوروبا. ويخلِّف ما يحدث هناك تداعيات مباشرة على أوروبا، كما أظهرت أزمة اللاجئين. وقد ساعدت الحرب الأهلية في سورية حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي على كسب جاذبية في ألمانيا، كما حولت المشهد السياسي في ألمانيا وأوروبا وقوضت قيادة ميركل. وإذا أججت الولايات المتحدة نيران عدم الاستقرار في المنطقة، فإن أمن أوروبا سيكون على المحك.
تقف الولايات المتحدة نفسها في وضع مختلف تماماً. فالشرق الأوسط هو مورد هام للنفط والغاز لأميركا التي لديها روابط وثيقة بإسرائيل. لكنها لن تتأثر مباشرة من اندلاع حرب أهلية في إيران، البلد متعدد الأعراق الذي يزيد عدد سكانه عن 80 مليون نسمة -نحو أربعة أضعاف عدد سكان سورية قبل الحرب.
حتى الآن، كانت استجابة تركيا لسياسة ترامب التي تؤجج النار في الشرق الأوسط سلبية للغاية. وفي أيار (مايو)، عندما أعلن نيته الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، انضمت ميركل وفرنسا وبريطانيا في التعبير عن انتقاد معتدل فحسب. وكان ذلك مفهوماً. فالحكومة الإيرانية الإسلامية والمعادية لإسرائيل ليست بعد كل شيء نظاماً تحرص ألمانيا على دعمه.
ومن ناحية أخرى، تحتل إيران والشرق الأوسط مرتبة منخفضة جداً على قائمة ألمانيا لأولويات السياسة الخارجية. وفي حزيران (يونيو)، عندما التقت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير ليين، بمستشار ترامب للأمن القومي، ووزير الخارجية ووزير الدفاع في واشنطن، لم تأت حتى على ذكر إيران من الأساس. وكان ذلك إغفالاً خطيراً يقترب من حدود الاستهتار.
في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، يخطط ترامب لفرض جولة ثانية من العقوبات الأكثر صرامة، والتي ستجعل إيران غير قادرة على تصدير النفط. ويريد البيت الأبيض أن يقطع شريان دعم الحياة عن الاقتصاد الإيراني. وفي المقابل، يناضل الاتحاد الأوروبي من أجل إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، معارضاً العقوبات الأميركية وباحثاً عن طرق للحفاظ على التجارة مع إيران وإحباط الإجراءات الأميركية. وهو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، لكنه لا يذهب إلى البعد الكافي. وليس إنهاء الاتفاق النووي هو الخطر الوحيد الذي يلوح في الأفق.
لا يكفي أوروبا أن تسعى إلى الاحتفاظ بالاتفاق النووي. يجب أن يتم إخبار واشنطن بأن سياسة تقوم على زعزعة الاستقرار في إيران والشرق الأوسط إنما تسير ضد المصالح الأمنية الأوروبية. ويجب أن تصبح سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط أولوية أوروبية. وهذه المرة، وعلى النقيض من الأزمات السابقة، تحتاج ألمانيا وأوروبا إلى اعتماد سياسة خارجية وقائية مستقبلية تستشرف المستقبل.

*نشر هذا المقال الافتتاحي تحت عنوان:
 What If Iran Becomes the Next Syria?