ماذا لو تفاقم العجز؟

هناك حركة مطلبية واسعة في طول البلاد وعرضها، المطالب كلها تصب في خانة زيادة الإنفاق العام على بند الأجور والمنافع لموظفي القطاع العام، وحتى كتابة هذه السطور ما يزال إضراب المعلمين معلقا بانتظار الحسم في موضوع الـ 30 في المائة فوق السبعين لتصبح  الزيادة مائة في المائة. اضافة اعلان
ولا يخفى ان هناك فئات مهنية أخرى مثل الاطباء والممرضين وغيرها من الفئات المهنية التي تشعر بأن نظام الخدمة المدنية بصيغته السابقة همشها وألحق بها على مدى سنوات ضررا ماديا. وبالتوازي مع ذلك ما يزال موضوع اعادة الهيكلة تحيط به جوانب غامضة لم تف بالغرض المطلوب، رغم أن كلفة اعادة الهيكلة تقترب من 270 مليون دينار، والاستجابة لكامل مطالب المعلمين المضربين سترفع الكلفة الى حوالي 300 مليون دينار.
ولا يوجد شك في شرعية المطالب، والتحسينات التي يطالب بها هؤلاء المضربون أو الغاضبون، لكن توقيت هذه المطالب يجعل الاستجابة اليها دفعة واحدة اقرب الى المستحيل في ظل الضغط الكبير الذي يواجه وزير المالية، الذي يحاول الاستجابة لبعض المطالب أو جزء منها، والحفاظ على عجز الموازنة دون الإخلال ببعض المؤشرات الأخرى في الاقتصاد. ويجب تنبيه المعلمين أن الزيادة الإسمية في الرواتب تصبح ذات معنى حين لا تأكلها الزيادة في الأسعار، بمعنى أن الحكومة ولأغراض سياسية قد تستجيب لكافة المطالب الموضوعة امامها على الطاولة، لكنها ستجد نفسها مضطرة لأن تعوم اسعار العديد من السلع، وبالتالي اللجوء الى آليات تضخم لاستيعاب الضغط على النفقات.
وحتى الآن هذا الخيار مستبعد طالما أن الزيادات المقترحة يمكن التعامل معها، ونرى في خطوة البنك المركزي رفع اسعار الفائدة، خطوة استباقية لتلافي الآثار التضخمية للتوسع في الإنفاق العام، وهو ما يعني رغبة الدولة أن تكون المكاسب المتحققة للمعلمين حقيقية وليست اسمية لإرضائهم، ولكن استمرار الضغط يحد من الخيارات المتاحة امام الدولة. ويجب التذكير بأن عجزا متزايدا في الموازنة، وتراجع النشاط الاقتصادي هما مزيجان لوضع صعب كثيرا قد يصل الى حد اعادة النظر بتثبيت سعر صرف الدينار مع الدولار والذي أمن للأردن درجة معقولة من استقرار الاسعار على مدى العقد الماضي، ويجب الانتظار كذلك لرصد كيف سينعكس سعر الفائدة على قرارات المستثمرين ورؤيتهم المستقبلية.
ما نجادل به في هذه العجالة أن جدولة الزيادات وضمان ربط الزيادات السنوية بمعدل التضخم خلال السنوات الخمس المقبلة، يعتبر أكثر جدوى من المطالبة بزيادة مباشرة ولمرة واحدة خلال هذه الفترة الصعبة التي تمر بها الموازنة.
ويجب التذكير بأن زيادة الانفاق في أحد بنود الموازنة  تعني المزيد من الضغط على بنود أخرى، لا سيما الإنفاق الرأسمالي الذي يعتبر محركا للكثير من الانشطة الاقتصادية. من الجميل أن نشهد عملا جماعيا راقيا لتحقيق وتحسين شروط  فئة اجتماعية ظلمت لفترة طويلة، لكن ما تحقق لغاية الآن يعتبر انجازا بكافة المقاييس، وضمانة مجلس النواب والحكومة للوصول بالزيادة الى ما يطالب به المعلمون تعتبر تسوية لضمان الاستقرار على المستوى الكلي، ولن تطيح بالمكاسب المتحققة من خلال اللجوء الى سياسات تضخمية.