ماذا لو شارك الاسلاميون؟

تأجيل الانتخابات البلدية أولى في ظل الحالة التي وصل إليها هذا الملف بعد أن خسر قيمته السياسية الاستراتيجية كمعزز للمشروع الإصلاحي الوطني، ولكن إن قررت الحكومة المضي في هذه الانتخابات، وبالرغم من التكلفة السياسية التي قد نتكبد، فتكون قد وضعت أمامنا فرصا سياسية متعددة لا يجب أن تمر بدون استثمار. الانتخابات ستمنحنا فرصة لقياس جدية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة بعد أن باتت النزاهة آخر ما قد توصف به انتخاباتنا، والانتخابات البلدية ستشكل أيضا فرصة لتنوير الرأي العام بالمشاكل والتحديات الوطنية وطريق الإصلاح وأهدافه، وأخيرا فيمكن للانتخابات أن تكون فرصة للقوى السياسية المختلفة لتجهيز وتطوير برامجها السياسية واستراتيجياتها الانتخابية تحضيرا للانتخابات البرلمانية القادمة وقياسا لقوتها الانتخابية الحقيقية التي ستمر بالاختبار البلدي. اضافة اعلان
كل ما سبق سيشكل فرصا سياسية مهمة يجب استثمارها، ولكن ما لا يقل أهمية عنها هو إمكانية استغلال فرصة الانتخابات البلدية للتحاور الميداني والاشتباك الايجابي من قبل الاسلاميين مع الدولة، وربما استحداث تفاهمات استراتيجية جديدة تقوي الاصلاح وتسحب البساط من تحت أقدام المشككين بنهاياته الاسلامية اللاديمقراطية، وقد يكون لهذا الاشتباك الأثر المباشر لردم هوة الثقة بين الدولة والاسلاميين التي خسر الاسلاميون بسببها الكثير وكان طبيعيا أن لا تتمنى الدولة حدوثها.
لم أفهم منطق المقاطعة يوما، وأعتقد أن نائبا إسلاميا واحدا في البرلمان أفضل من صفر، ولكن مشاركة الحركة الاسلامية في الانتخابات البلدية قد تكون في هذه المرحلة ذات قيم سياسية مضافة، فهي من جهة سترسل رسالة حسن نية للدولة في جدية طلب الحوار والرغبة في الاستثمار فيه، ومن جهة أخرى، فالمشاركة بالانتخابات ستشكل فرصة لإثبات القدرة على العمل والإنجاز واللافساد التي يعد الاسلاميون بها. المشاركة ستكون حاسمة أيضا لإعطاء معنى لمراقبة نزاهة الانتخابات التي لن يكون هنالك مبرر لتزويرها إن غابت عنها المعارضة الأهم والأكثر تنظيما.
ليس الحوار ذلك الذي يحدث على طاولات القرار فقط، فمشاركة الاسلاميين "حوار مباشر" عملي وتنفيذي مع الدولة. المشاركة ستمكن الحركة من أن تكون جزءا أصيلا وثابتا من صناعة القرار في الدولة من خلال من سيفوزون منها، وستمكنها من أن تثبت نفسها ووجودها وتفوت الفرصة على من يشككون بوعودها. المشاركة تعني وجودا للإسلاميين مباشرا ومستمرا من دوائر القرار، ما سيمكن الحركة الاسلامية من أن تطرح نفسها كبديل سياسي واعد أقدر من غيره من الاحزاب والنخب على الانجاز.
لا أعتقد أن لدى الحكومة الكثير لتخسره في حال استمر الاسلاميون بمقاطعة الانتخابات، فلا أظنها معنية بتنافسية أعلى أو مشاركة محتدمة، سيما وأن المراقبة الدولية في حدودها الدنيا وهي مسكونة بهاجس الأمن والاستقرار الآن، وأما تلك المحلية فهي غير معنية بمن قاطعوا إن لم يكن لمقاطعتهم وجاهة وإقناع. الكاسب الاكبر من المشاركة في الانتخابات هي الحركة الاسلامية، وضعيفة البصيرة هي إن كانت لا تتمكن من رؤية ذلك، فهل ستستغل الحركة الاسلامية الفرصة وتستثمر الحدث، أم سيكون التبديد وتضييع الفرص ديدنها من جديد؟

[email protected]