ماذا يجري للاقتصاد الصيني؟

أحمد عوض لا يختلف اثنان على أن الاقتصاد الصيني حقق خلال العقود الأربعة الماضية قفزات كبيرة في مختلف المجالات، وأصبح أحد أهم القاطرات التي تقود الاقتصاد العالمي من خلال معدلات نمو سنوي أعلى بكثير مما تحققه المراكز الاقتصادية الكبرى في العالم مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. إلا أن ما يجري في الصين حاليا من أزمات تضغط على توسعه المطرد، مرتبطة بمدى توافر مصادر الطاقة المختلفة، والانهيار المعلن لأكبر الشركات العاملة في قطاع العقارات، دفع مختلف المؤسسات الاقتصادية العالمية إلى خفض توقعاتها لمعدلات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري. ففي الوقت الذي حقق الاقتصاد الصيني نموا خلال الربع الثاني من العام الجاري 2021 بلغ 7.9 بالمائة، فإن توقعات النمو لما تبقى من العام تُراوح بين 4 و6 بالمائة. يأتي هذا التراجع على خلفية أزمة التزود بالطاقة، حيث تواجه الحكومة الصينية مشكلات كبيرة في توفير الكميات الكافية من الطاقة بمختلف مصادرها لمختلف القطاعات الاقتصادية، وبخاصة في ظل الارتفاعات الكبيرة في أسعار الغاز والنفط، والقيود الكبيرة المفروضة على استخدامات الفحم الحجري في إطار التزامات الصين الدولية بتخفيض الانبعاثات الكربونية لمواجهة التغيرات المناخية، وأدى ذلك إلى انقطاع الكهرباء عن مقاطعات ومدن كبيرة لفترات زمنية تتزايد جراء تفاقم هذه الأزمة. تَرافق ذلك مع انكماش النشاط في العديد من القطاعات الاقتصادية، وتراجع الاستهلاك المحلي وعائدات السياحة، وانهيار أكبر الشركات العقارية الصينية "ايفرجراند" تحت وطأة ديون تصل إلى 300 مليار دولار، وهي نموذج للعديد من الشركات العقارية التي تعمل بذات الأساليب القائمة على الدَّين، الذي سيترك آثارا على متانة القطاع المصرفي هنالك. صحيح أن الاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بعد الولايات المتحدة، ويتمتع بمصادر قوة متعددة تتمثل بفوائض مالية عالية، إذ لديه أكبر احتياطي نقدي في العالم يبلغ نحو 3.2 تريليون دولار أميركي، وما زال يحقق معدلات نمو هي الأعلى بين المراكز الاقتصادية الكبرى. وعلى رغم ذلك، يتوقع أن يكون للمشكلات التي يواجهها في الوقت الراهن تأثيرات على المسار التصاعدي لقوة الصين الاقتصادية، وسيكون لذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي، حيث أن غالبية عمليات الإنتاج العالمي مرتبطة بسلاسل الإمداد الصينية. وصحيح كذلك أن قوة الاقتصاد الصيني ستحول دون وقوع هزات كبيرة على المستوى المحلي الصيني، إلا أن ذلك لن يمنع من حدوث تأثيرات على ديناميات الاقتصاد العالمي، حيث المستويات العالمية من اللا يقين ستدفع باتجاه استمرار موجة ارتفاع الأسعار، وتحد من قدرات غالبية الدول على الحصول على السلع الأساسية وبخاصة الغذاء، بأسعار تكيفت معها الأسواق العالمية. لا يوجد دولة في العالم محصنة ضد الأزمات الاقتصادية، أو التأثر بها، وعلينا في المنطقة والأردن أن نستعد لمواجهة مزيد من الضغوط الاقتصادية التي يمكن أن تنشأ عن ارتدادات ما يحدث في الصين وتداعياته على الاقتصاد العالمي.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان