ماذا يريد الدب الروسي؟!

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يظهر التدخل الروسي العسكري في المنطقة بشكل علني وكبير إلا في بعض القواعد العسكرية التي بنيت هنا أو هناك. وربما تناساها الكثير من المتابعين للسياسات الخارجية الروسية؛ بسبب ركودها، وأعمالها الروتينية. وهذا الكلام يشمل المنشآت العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية السوريتين.اضافة اعلان
التدخل الروسي المفاجئ في الملفين السوري والعراقي، يثير جملة من علامات الاستغراب والاستفهام. وحجة هذا التدخل -مشابهة لحجج التدخلات الأخرى؛ الأميركية والدولية- هي مكافحة الإرهاب. لكن الحقيقة أن الروس يريدون إيقاف انهيار نظام بشار الأسد، كما فعلوا منذ أكثر من أربع سنوات، لكن هذه المرة وجدوا أن النظام -إن لم يتدخلوا بصورة مباشرة- سيكون في مهب الريح، وبالتالي ضياع آخر قواعدهم في المنطقة.
خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كان صريحاً، وكان بمثابة الضوء الأخضر لانطلاق الضربات الجوية الروسية على مواقع القوات المعارضة لنظام الأسد، سواء من مقاتلي تنظيم "داعش"، أو من بقية الفصائل التي أعلن بعض قادتها أن عناصرهم قد وقعوا ضحية للضربات الجوية الروسية في اليوم الأول لتلك الهجمات. وهذا يؤكد أن الروس ضد كل من يستهدف النظام السوري كائناً من يكون!
الإنقاذ الروسي لنظام الأسد لم يكن مفاجئاً، لأن روسيا وقفت مع النظام دبلوماسياً وعسكرياً منذ أن انطلقت الثورة الشعبية السورية. لكن المفاجئ هو الدخول الروسي العلني في إدارة الملف العراقي، وهذا ما لم يكن بالحسبان، على الأقل لدى غالبية المتابعين للشأن العراقي.
في ظل هذه التطورات، هناك من يعتقد أن مركز المعلومات الرباعي (روسيا، والعراق، وإيران، وسورية) الجديد، ومقره بغداد، سيسحب البساط من تحت أقدام القيادة الأميركية في العراق! وهذا الكلام -باعتقادي- تنقصه الدقة، لأنه لا يمكن للأميركيين أن يسمحوا للروس، أو لإيران، أو لغيرهما، أن يلعبوا بالملف العراقي من دون إذنهم، وذلك لأنهم يعتقدون بضرورة استمرار حضورهم في العراق، لأنهم زعماء التحالف الذي أطاح بنظام الرئيس صدام حسين. وعليه أقول -جازماً- إن التدخل الروسي الأولي في الشأن العراقي عبر فتح مركز للمعلومات ببغداد، تم بموافقة أميركية مسبقة.
وأظن أن القيادة الأميركية أرادت من وراء موافقتها أو صمتها على التطورات المتسارعة في المنطقة، ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فمن جهة، ستضعف تنظيم "داعش"، ومن جهة أخرى تعطي دوراً مرسوماً لروسيا في المنطقة، وكذلك تضعف من قدراتها العسكرية نتيجة الحرب، التي لا يمكن التكهن بنتائجها بسهولة.
ورغم ذلك يمكننا أن نقرأ العديد من الرسائل وراء التدخل الروسي في المنطقة، منها:
- روسيا راجعة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط. وهذا يذكرني بموقف سابق لي حيث التقيت سفير روسيا الاتحادية في إحدى العواصم العربية، وحينما سألته: متى ستعود روسيا كقطب منافس لأميركا في العالم؟ رد علي قائلاً: خلال خمس سنوات ستعود روسيا قوة مهمة في العالم.
وعليه، فإن الدب الروسي عاد للمنطقة كلاعب مهم للحفاظ على مصالحه الاستراتيجية بمباركة الولايات المتحدة التي بدأ دورها ينحسر بشكل أو بآخر.
- تأكيد القيادة الروسية على وقوفها، بل واستماتتها في الدفاع عن الأنظمة المدعومة إيرانياً، سواء في بغداد أم دمشق. وهذا الأمر صار من المسلمات التي لا جدال فيها، لأن الروس يرفضون كل حل للقضية السورية يشمل إلغاء دور الأسد من المعادلة. وهو ما أكده بوتين في كلمته في الأمم المتحدة بأن "رفض التعاون مع الحكومة السورية وجيشها سيكون خطأ كبيراً".
- وجود استراتيجية دولية جديدة في المنطقة، بتنسيق أميركي-روسي-إيراني، والدليل مركز المعلومات الرباعي ببغداد، والمباركة الأميركية لتحركات الدب الروسي في البلدين!
هذه الأسباب وغيرها تُؤكد أن الأيام المقبلة حبلى بالأحداث، وأن مؤامرة جديدة تُحاك ضد المنطقة وشعوبها بحجة مكافحة الإرهاب. وأظن أننا أمام معادلة مزعجة مرسومة بدقة لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد!