ماذا يريد الغرب من القرآن؟

رجل يقرأ القرآن في المسجد الحسيني بوسط البلد - ( تصوير: أمجد الطويل)
رجل يقرأ القرآن في المسجد الحسيني بوسط البلد - ( تصوير: أمجد الطويل)

أسامة شحادة

"ماذا يريد الغرب من القرآن؟"، هو عنوان كتاب للدكتور عبدالراضي محمد عبدالمحسن، الأستاذ المساعد بجامعة القاهرة، والذي صدر في العام 2006 عن مجلة البيان الإسلامية، ويقع في 250 صفحة من القطع الكبير، ويتكون من فصلين وعدة ملاحق.اضافة اعلان
الكتاب يتميز بغزارة المعلومات، وشمولية العرض للموضوع الذي عالجه، باستخدام المنهج التاريخي المقارن في توثيق الأقوال والكتابات، والمنهج النقدي في تحليل هذه الأقوال والكتابات وتقويمها من مرجعية إسلامية.
من ميزات الكتاب، أن المؤلف متخصص في مجال مقارنة الأديان، ما أتاح له معرفة أكبر بدقائق المذاهب الغربية الدينية والفكرية، والتي سبق له أن أصدر فيها كتابا بعنوان "المعتقدات الدينية لدى الغرب"، نشره مركز الملك فيصل للبحوث. هذا بالإضافة إلى تخصصه الإسلامي. إذ إن التكامل في الخلفية المعرفية ساهم في قوة الطرح وسلاسته وعقلانيته وحجته الدامغة.
جاء الفصل الأول ليعالج بالتفصيل الترجمات الغربية للقرآن الكريم؛ تاريخها ونقائصها ومشاكلها. فيما تناول الفصل الثاني جانب البحوث والدراسات الغربية حول القرآن الكريم.
ترجمة القرآن الكريم كانت من أوائل ما عُني به الغرب، لأهداف عدوانية وليس لأهداف معرفية ثقافية. إذ سيطرت الغايات التبشيرية والصليبية على ترجمة القرآن، والتي تتمثل في معرفة القرآن للرد عليه، وتنفير الجمهور المسيحي العربي والغربي، والجمهور الوثني، منه بتشويهه، وبغرض زعزعة إسلام من أسلم من الغربيين. وقد انعكس ذلك على سوء الترجمات المتعمد من جهة، ونقائصها الموضوعية الكثيرة.
وترجمة القرآن الكريم منتشرة في التراث الغربي، ويقدر عددها بـ650 ترجمة إلى 21 لغة أوروبية. وقد بدأت ترجمة القرآن في الأديرة من خلال القساوسة. وتعد الترجمة اللاتينية لـ"دير كلوني" الفرنسي أشهرها، في العام 1143م. ومن هذه الترجمة، ترجم للفرنسية، ومنها للروسية والهولندية والإنجليزية والألمانية. ومن اللاتينية تُرجم للإيطالية، وعنها للألمانية والهولندية أيضاً. ومعلوم أن الترجمة من لغة وسيطة يضعف الترجمة جداً، ويكرر أخطاء الترجمة الأولى التي اتصفت بعدم الدقة وإهمال ترجمة أجزاء من القرآن وتجاوز أفكار أساسية فيه.
ثم جاءت ترجمة القس ماراتشي العام 1698م، ومنها ترجمت للألمانية والإنجليزية، وعنها لعدة لغات كالهولندية والبلغارية والإسبانية والروسية والإيطالية والفرنسية والألمانية. وكانت أيضا ترجمة سقيمة مليئة بالأخطاء.
ثم جاء العصر الحديث الذي شهد ترجمات متعددة اللغات، ومستقلة عن ترجمتي كلوني وماراتشي، ولكنها كلها مليئة بالأخطاء والعيوب المقصودة منهجياً، فضلاً عن انعدام إتقان اللغة العربية لديهم جميعاً، وهذا كاف لإدراك مدى ركاكة هذه الترجمات!
كان لهؤلاء المترجمين القساوسة عدة أساليب مقصودة لتشويه القرآن، منها:
- وضع العناوين النافية لصلة القرآن بالوحي، من خلال ربط القرآن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو المسلمين أو الأتراك، مثل: "قانون المسلمين لمحمد بن عبدالله"، "قوانين الأتراك"، "مسامرات محمد"!
- ومنها وضع ملاحق ومقدمات خارجة عن القرآن ومن كلامهم، بغرض نقض القرآن، وهي مليئة بالمغالطات والأكاذيب التي يرددها اليوم أفراخ المستشرقين من أبناء العرب والمسلمين!
- ومنها التلاعب بالترجمة، حتى تخرج على الصورة المشوهة التي يريدون أن يكون عليها، لا على حقيقته الإلهية الإعجازية. وهذا التلاعب تمثل بتغيير مكان الآيات في القرآن! بالتقديم والتأخير والحذف في الترجمة، بما يشوه المعنى، وعرض هذا المعنى كما يهوى المترجم وليس كما هو مكتوب!
وقد اتبع هؤلاء المترجمون، وغالبهم من القساوسة، مناهج منحرفة في الترجمة للقرآن الكريم، منها:
- الترجمة النصية، وليس ترجمة المعنى. ومعلوم أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل الذي تحدى به العرب في بلاغته وإعجازه، وفشل عرب الجاهلية في معارضته، وما يزال الفشل حليف كل من تُسول له نفسه فعل ذلك، فكيف يتأتى لغير العربي الذي لا يفهم العربية أن يترجم القرآن نصاً؟!
- إغفال النص العربي، والترجمة بدلا من ذلك من لغة وسيطة. وهذه كارثة في عالم الترجمة، خاصة مع وجود الأصل بلغته الأصلية.
- ترجمة القرآن مع تغيير ترتيب سُورِه! حيث قاموا بإعادة ترتيب سور القرآن مع جهلهم باللغة العربية، ما نتج عنه بعثرة لمفاهيم القرآن الكريم بشكل مقصود. ولنعرف مدى الحماقة التي وصلت إليها بعض الترجمات، أنها زادت في عدد سور القرآن الكريم سورتين، فأصبحت سُوره 116 سورة بدلاً من 114! وتخيل ترجمة لكتاب من تأليف بشر قام المترجم بتغيير ترتيب فصوله وفقراته، كيف سيكون شكل هذه الترجمة وموضوعيتها ومصداقيتها في التعبير عن المؤلف الأصلي، فما بالك بكتاب الله عز وجل القرآن الكريم!
- كما أن هؤلاء المترجمين يتلاعبون بتغيير أسماء السور!
وهذا التخبط في ترجمة القرآن الكريم شخّصه عباس العقاد بقوله: "ويندر أن تقرأ في كلام ناقد من الأجانب عن اللغة العربية شيئاً من مآخذ التناقض في الإسلام إلا بدا لك بعد قليل أنه مخطئ، وأن مرد هذا الخطأ عنده إلى جهل الإسلام أو اللغة العربية، وبعضهم يجهلها وهو من المستشرقين، لأنه يستظهر ألفاظها ولا يتذوقها ولا ينفذ إلى لبابها من وراء نصوص القواعد والتراكيب".
لقد هدفت هذه الترجمات إلى تشويه القرآن والإسلام لدى الجمهور. وهي سبب رئيس في شيوع النظرة السلبية عن المسلمين والإسلام؛ فقد حرفت تعاليم الإسلام وشوهت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، ورسخت فكرة مغلوطة وهي أن القرآن والإسلام هما هرطقة مسيحية!
أما الفصل الثاني، فاستعرض فيه د. عبد المحسن واقع العداء للإسلام والقرآن في الدراسات الغربية عن القرآن الكريم. إذ بدأت هذه الدراسات عند مسيحيي الشرق العربي لتمكنهم من اللغة العربية، بخلاف الغربيين (اللاتين) الذين احتاجوا عدة عقود كي يتمكنوا من مطالعة ترجمة "هزيلة" للقرآن الكريم. وكان من هؤلاء الرواد المسيحيين العرب، يوحنا الدمشقي، وعبدالمسيح الكندي. وأما من اليهود، فكان ابن كمونة اليهودي، الذي زعم أن القرآن نزل على نبي آخر، ومنه أخذه محمد صلى الله عليه وسلم! والعجيب أن ابن كمونة اليهودي أصبح عند بعض أفراخ المستشرقين مصدرا لمعرفة القرآن والإسلام والعقيدة!
ولم تخرج محاولات هؤلاء المسيحيون واليهود عن ترديد شبهات مشركي العرب، التي فندها القرآن الكريم، ومنها:
- قولهم إن القرآن قول شاعر، فنزل قوله تعالى: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ" (الحاقة، الآية 41). 
- قولهم إن القرآن كلام بشر، فنزل قوله تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" (النحل، الآية 103).
ثم جاءت محاولات الغرب (اللاتين) في مهاجمة القرآن الكريم. وعقبها شهدت الأندلس محاولات للطعن بالقرآن الكريم من المسيحيين واليهود. ثم جاءت مرحلة الحروب الصليبية، وبعدها أصبح هناك جهد مؤسسي للطعن على القرآن الكريم من قبل ما عرف بالتبشير والاستشراق.
وكان للجهود الغربية عدة مسارات لمهاجمة القرآن الكريم؛ فظهرت بحوث تنصيرية حول القرآن الكريم، تناولت مزاعم حول مصادر القرآن الكريم، وأنها تتكون من الوثنية، والحنيفية، والصابئة، والزرادشتية، والمسيحية، واليهودية. وهي مزاعم ثبت بطلانها بالواقع المخالف لها، وبمناقضة القرآن الكريم لها، وبالتحدي القائم حول الإتيان بمثل هذا القرآن إن كان من مصادر بشرية!
الجانب الآخر الذي تناولته البحوث التنصيرية هو تاريخ القرآن الكريم، وهي شبهات ساقطة حول سلامة النص القرآني، والذي يكفي في تفنيد كل هذه المزاعم تذكّر حقيقة واحدة، وهي: سلامة القرآن عبر كل هذه القرون من وقوع خطأ فيه أو خلل أو تناقض، فلو كان القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الكريم كلام الله عز وجل المحفوظ والسليم، فكيف نجا من كل هذه المطبات؟
وشهدنا أيضاً إصدار دوريات وقواميس ودوائر معارف متخصصة بالقرآن الكريم، وذلك لتسهيل عملية الطعن بالقرآن الكريم. وتميزت دوائر المعارف هذه ببث الأغاليط والشائعات، بدلاً من المعرفة والموضوعية!
هذه هي حقيقة الجهود الغربية تجاه القرآن الكريم، سواء على صعيد الترجمة أو الدراسات القرآنية، وقد أطلقت من منطلقات عدائية وحاقدة، وتسلحت بمناهج وأساليب غير موضوعية ولا علمية، وأفرزت مناخا معاديا للقرآن والإسلام، يغذي روح الكراهية والبغضاء في الشعور العام الغربي تجاه المسلمين.
وللأسف، تلقف هذا بعض المسلمين، فأصبح يردد هذه الخرافات والأساطير بين الناس، ويظن نفسه محققاً ومدققاً. ولم يتعظ هؤلاء بمن سبقوهم في ترديد خرافات المستشرقين كيف طواهم النسيان، ولم يكن لهم شأن إلا في التاريخ الأسود للعملاء والأغبياء الذين عرفهم تاريخنا الإسلامي.