ماذا يعني الانسحاب الأميركي من سورية للخطوط الأمامية لمحاربة "داعش"؟

ديفيد إغناتيوس - (الواشنطن بوست) 23/18/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

كان صوت الجنرال مظلوم العابدي، القائد الكردي لقوات سورية الديمقراطية، مشدوداً ومنضبطاً بينما يصف قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من البلد وترك حلفاء أميركا ليواجهوا مصيرهم وحدهم.
قال بكآبة في مقابلة بواسطة الهاتف بعد أيام من قرار ترامب، متحدثاً من مقر قيادته في شمال شرق سورية: "هذا شيء لم نكن قد توقعناه أبداً. بصدق، حتى الآن، كل شيء قاله لنا الأميركان أوفوا به، والشيء نفسه بالنسبة لنا… ولذلك نحن متفاجئون ومرتبكون. لم نكن مستعدين لقرار مثل هذا".
وشرح مظلوم مخاطر عودة صعود نشاط الإرهابيين بعد قرار ترامب المفاجئ. وقد أظهرت اتصالات "داعش" في الأسبوع اللاحق للإعلان أملاً جديداً بأنهم سيستطيعون استعادة خلافتهم التي كانت على الطريق إلى الدمار، كما قال. وبالإضافة إلى ذلك، يحتجز مظلوم نحو 2.200 سجين من "داعش"، بمن فيهم 700 مقاتل أجنبي. ومن دون مساعدة من الولايات المتحدة وأعضاء التحالف الآخرين، فإن هؤلاء المقاتلين المميتين ربما يُفلتون في نهاية المطاف.
المؤلم هو أن مظلوم كان يقاتل إلى جانب قوات العمليات الخاصة الأميركية التي تمثل ثبات جيش الولايات المتحدة، لكنه يختبر الآن وجهاً أميركياً مختلفاً تماماً. وقال مظلوم: "حتى نكون صريحين، كان أول شيء فكرت فيه عندما سمعت هذا القرار هو سمعة أميركا. لأنه بعد هذا القرار، ما الذي سيقوله الناس عن أميركا؟ كل المصداقية والثقة اللتين بُنيتا، فقدناهما".
مظلوم قائد صلب وغير عاطفي في أوائل الخمسينيات من العمر، بشعر قصير مجعد ووجه منقَّر. وعندمما التقيت به في زيارات سابقة قمتُ بها إلى سورية، كشف عن نوعية من الحكم الهادئ والتأملي النادر بين قادة الميليشيات في ذلك الجزء من العالم. ولدى المقاتلين الأكراد التزام يشبه الإيمان بإطاعة أوامره والاحتفاظ بالأرض التي يقفون عليها، بغض النظر عن أي شيء.
هذا الاستعداد للقتال والموت تحت توجيه الولايات المتحدة جعل من القوات ذات القيادة الكردية حلفاء فريدين من نوعهم. ومع الدعم الجوي من الولايات المتحدة، دمر مقاتلو قوات سورية الديمقراطية عاصمة "داعش" في الرقة وكل معاقل التنظيم الرئيسية. ودفع الأكراد وحلفاؤهم السوريون في سبيل تحقيق ذلك ثمناً باهظاً: عانوا من فقدان حوالي 4.000 قتيل و10.000 جريح منذ العام 2014. وعلى مدى تلك الفترة نفسها، فقدت الولايات المتحدة ثلاثة جنود فقط في سورية، وفقاً لناطق باسم الجيش الأميركي.
وقال مظلوم إن قرار الرئيس ترامب بشأن الانسحاب شكل صدمة لأنه جاء بعد أسبوع فقط من زيارة شخصية قام بها السفير جيمس جيفري، مبعوث الإدارة الأميركية الخاص إلى سورية. ووعد جيفري خلال الزيارة بأن قوات الولايات المتحدة لن تنسحب إلى أن يتم إلحاق "الهزيمة الدائمة" بتنظيم "داعش" وطرد القوات الإيرانية من سورية والتوصل إلى تسوية سياسية تضفي الاستقرار على البلد. وقد خلقت وعود جيفري "معنويات عالية جداً"، كما قال مظلوم، "لكن العكس هو الذي حدث للأسف بعد وقت قصير".
كان الشعب الكردي قد تعرض لخذلان الولايات المتحدة وتخليها عنهم من قبل، عندما أصبحوا مستهلكين سياسياً. وقد سألت السيد مظلوم عما إذا كان قد فكر أبداً، أثناء العمل مع المستشارين الأميركيين، بأن الشيء نفسه ربما يحدث مرة أخرى للأكراد. فقال: "إذا أردتَ الحقيقة، كلا". والآن، بعد إعلان ترامب، يسعى مظلوم إلى فتح قنوات للحوار مع روسيا والنظام السوري، "لملء هذا الفراغ الذي تركته أميركا".
كان الذي أدهشني أكثر ما يكون خلال محادثتنا التي امتدت على مدار ساعة هو أن قوات مظلوم ما تزال تواصل شن حملة دموية ضد بقايا "داعش" في شرق سورية، حتى مع أن مقاتليه أصبحوا يرغبون العودة إلى ديارهم في المناطق الكردية لكي يحموا عائلاتهم. وقال مظلوم أن قواته عانت من مقتل ما لا يقل عن 27 مقاتلاً في القتال منذ إعلان قرار ترامب المفاجئ، كما أصيب عدد آخر بجراح، عندما قام عدو استعاد نشاطه بشن أكثر من 10 هجمات انتحارية ضد خطوط مظلوم الأمامية في الأيام الأخيرة.
وقال مظلوم: "في الوقت الحالي، نحن نقاتل من أجل أنفسنا؛ من أجل بقائنا. لكن كل مقاتلينا يعرفون أننا إذا لم ندافع عن أنفسنا، فإن ‘داعش’ سوف يعود وسيكون أقوى، وسوف يتقتل ويقطع رؤوس عائلاتنا". وقال إن التهديد سيكون كبيراً بشكل خاص للأعضاء العرب في تحالف قوات سورية الديمقراطية الذين يخافون كلاً من الإرهابيين السنة والقوات الشيعية المدعومة من إيران".
يعتقد مظلوم بأن ترامب أبرم صفقة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي هدد بغزو المناطق الكردية وتدمير ما يزعم أنه الإرهاب الكردي. وقال مظلوم إنه أخبر قادته بأن هذا الترتيب كان من صنع الساسة الأميركيين، وليس الجنود. وقال: "هذا شيء غير أخلاقي؛ تركُ حليفك في المعركة وحدَه". وهو شيء لا يمكن أن يفعله جنود الولايات المتحدة أبداً باختيارهم.
سألت مظلوم عما يمكن أن يفعل في الصباح التالي. فقال إنه يخطط للذهاب إلى الخطوط الأمامية، لتعزيز معنويات جنوده الـ10.000 الذين ما يزالون يحاربون "داعش". وفي موسم العطلات هذا، وبينما نفكر في الإيمان والثقة والتعويل على أحد، فإن هذا هو نوع الحليف الذي نتخلى عنه.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: What Trump’s Syria decision means on the front lines of the fight against the Islamic State