ماذا يعني تغيير السلوك السوري؟

رؤية الملك المتقدمة حول سورية تشغل مراكز الابحاث والدراسات والدوائر الدبلوماسية، في محاولة لمعرفة اسبابها وتفاصيلها وآثارها المتوقعة. هي ليست المرة الاولى التي يقدم الملك رؤية عميقة لعديد التعقيدات في الشرق الاوسط، سبق ذلك مرارا، من امثلته: "الهلال الشيعي" وايضا "استعصاء اسقاط نموذج الديمقراطية الغربي على مجتمعات شرق اوسطية" ما كان سببا في اللااستقرار والاخفاق في افغانستان والعراق والربيع العربي. مؤخرا تأتي رؤية الملك حول سورية وصفت بالواقعية والمؤثرة، يجب ان تشكل اطارا استراتيجيا للتفكير حول مستقبل التعامل مع سورية اذا ما كان الهدف الامن والاستقرار في الشرق الاوسط، ووحدة سورية وتماسكها، وقدرتها على ابقاء مشاكلها داخل حدودها.اضافة اعلان
الكافة الآن تسعى لمعرفة ما شكل التغيير السلوكي المطلوب او المؤمل من سورية، وهو ما لم يتم تفصيله للعلن بعد، فالدول لا تفصل خطابها السياسي المعلن، تبقي ذلك للحظات اتخاذ القرار او انضاج الظروف التي تسمح بالحديث عن التفاصيل. ولكن وفي معرض التوقع لتحولات السلوك السياسي والامني السوري المأملة، تظهر ثلاثة محاور سيكون مفيدا لصناع القرار في سورية احداث تغيير بشأنها، اذا كانوا يسعون لفك العزلة وجلب الاصدقاء واحتواء الاعداء، وتحقيق الاستقرار، والخروج من ضائقتهم الاقتصادية الخانقة. تلك هي: تقليل واحتواء التواجد والنفوذ الايراني في سورية، والتعامل بسلمية مع قوى المعارضة والشعب ما يجعل اللاجئين والنازحين لا يخافون العودة لأوطانهم، وثالثا، الاشتباك مع قضايا الاقليم بمزيد من الايجابية خاصة في ملفات الامن القومي العربي وعملية السلام.
لا أحد يتوقع من سورية استدارة كاملة وسريعة بمقياس 180 درجة، لكن ثمة ما يمكن فعله لتحقيق تغيير في السلوك سيكون مفيدا لسورية قبل غيرها. سورية تعلم ان عددا من دول عمقها العربي تتوجس من سلوك ايران الاقليمي، الذي يسعى لتصدير اللاستقرار والفوضى، لذا فسورية معنية ان ترسخ سيادتها على ارضها، وتجعل نفوذ التواجد الايراني في سورية يخضع للقرار السوري وليس للقرار الايراني. سورية على الارجح تقدر مساعدة ايران لها اثناء الحرب، لكن هذا يجب ألا يعني ان تصبح اراضي سورية مستباحة للنفوذ الايراني ومصدر تهديد للآخرين وان تغدو سورية مسيطرا عليها من ايران. أما تغيير سلوك سورية وتعاملها العنيف مع المعارضة، فهذا سيكون رسالة ايجابية لكل الدول التي تأثرت باللجوء السوري، بدءا من الأردن ولبنان وانتهاء بأوروبا، ناهيك ان سلمية التعامل ستجلب الاستقرار الحقيقي لسورية. واخيرا، فالاشتباك الايجابي والاهتمام بالأمن الوطني العربي، بل واستثمار العلاقات مع ايران لكي توقف العبث بأمن الخليج، امر ايجابي سيجلب الدعم العربي لسورية. كما ان الاصطفاف مع الأردن ومصر وفلسطين لإحقاق الحق وحصول الفلسطينيين على حقوقهم الوطنية امر سيكون لصالح سورية لجهة عودتها بقوة للصف العربي الذي يناضل من اجل القضية الفلسطينية.
خطاب سورية السياسي والاعلامي المصاحب للتغييرات المؤملة اعلاه مهم، فقد كان خطابها الاستفزازي في السابق اثر سلبي على مصالحها. لا يضير سورية، بل ينفعها جدا، ان تقدم خطابا ايجابيا يقدر الجهود التي تساعدها، وتؤكد في خطابها انها باتت قوة بناءة ايجابية عاملة على احقاق الاستقرار العربي والاقليمي.