ماذا يفعل المواطن بدينارين وعشرة قروش؟!

يبدو أن الحكومة الحالية لم تتعلم من تجارب الفشل الكثيرة للحكومات السابقة في تطبيق فكرة إيصال الدعم لمن يستحقه.
والظاهر أن قصر النظر، والبحث عن الوصفات السهلة، دفع الحكومة الحالية إلى تبني خليط من كل أخطاء الحكومات التي سعت في الماضي لتنفيذ الفكرة، وفشلت في ذلك منذ العام 1989.اضافة اعلان
وفي حال كانت الحكومة تخطط لإفشال الفكرة، فإنها لن تجد أفضل من الآلية التي تفكر فيها؛ إذ جمعت كل عوامل الإخفاق، بدءا من تواضع قيمة الدعم التي تفكر فيها، والتي تعكس سطحية في معايير احتساب قيمة التعويض العادل عن رفع الأسعار.
الحكومة تفكر في تقديم مبلغ 2.1 دينار لكل مستفيد شهريا كحد أعلى، قد ينخفض إلى النصف تبعا لقيمة الدخل؛ بمعنى أن الفرد سيحصل في أحسن الأحوال على 25 دينارا سنويا. ولا أدري ما المعادلة الرقمية المستخدمة لبلوغ هذه النتيجة، خصوصا أن خطط رفع الدعم تشمل الكهرباء والمحروقات، بما فيها الكاز والغاز والبنزين، إضافة إلى سلع غذائية لم يحسم الجدل بعد حيالها. ديناران في الشهر للفرد ليس تعويضا عادلا، ولا يكفي لتغطية فرق الكلف التي ستتكبدها الأسر نتيجة خطة رفع الأسعار التي لا تتوقف عند السلع التي يشملها الرفع، بل ستطال كل شيء. وهذا معلوم للجميع بعد أن أصبح الأردنيون خبراء في التضخم اللولبي الذي يمتد ليطال جميع مناحي الحياة.
رقم 2.1 دينار بحاجة لإعادة نظر عميقة، ليكون التعويض عادلا وكافيا ويحترم كرامة الأردني، ويحقق غاية الحكومة في التخلص من الدعم، لا أن يكون مهينا للمواطن.
المسألة الأخرى المثيرة للاستفزاز تتعلق بإجمالي قيمة التعويض، والذي تقدره الحكومة بما لا يزيد على 150 مليون دينار، فيما هي اليوم تتكبد نحو 1.2 مليار دينار دعما سنويا.
ورقم 150 مليون دينار قليل جدا، ومن حدده يمتلك عقلية رسمية ما تزال تظن أن عليها التخلي عن المجتمع، في محاولة ساذجة تهدف إلى تقليص العجز وبند الدعم بعيدا عن احتساب ردود الأفعال التي ستنجم عن هكذا رؤية، والتي ستستفز فئات واسعة من المجتمع ستشعر بالإهانة والقهر.
كان يمكن للحكومة أن تكون أكثر حكمة بوضع خطة تقوم على زيادة قيمة الدعم ليصل، مثلا، لحوالي 400 مليون دينار، وتكون بذلك خفضت قيمة الدعم بحوالي 800 مليون دينار تقول إنها تذهب لغير المستحقين. أما أن تفكر الحكومة كمحاسب وتهمش العوامل السياسية المرتبطة والمؤثرة بالقرار، وتتخلى عن دورها في حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فهي بذلك مخطئة كثيرا. الخطأ الثالث يتعلق بالآلية؛ إذ يبدو التوجه منصبا على الدعم المباشر. والمسألة سهلة مع العاملين والمتقاعدين، مدنيين وعسكريين، في القطاع العام، والمستفيدين من المعونة الوطنية؛ فالدعم سيحول على رواتبهم مباشرة، فيما سيتحول باقي المستفيدين إلى متسولين على أبواب مكاتب البريد.
وهذه النقطة في غاية الحساسية، تتطلب أفكارا غير مسبوقة تكفل عدم تكرار تجربة 2008. وذلك ممكن بالنسبة للقطاع الخاص، بحيث يتم الاتفاق مع الشركات على تسديد الدعم لمن يستحقه من العاملين لديها، ليصار بعد ذلك إلى تخفيضه من الضريبة. وهنا تحل مشكلة شريحة ثانية.
وتبقى المشكلة العويصة مع القطاع غير المنظم. وحل مشكلة هذه الفئة بحاجة إلى وقت، لكن في النهاية يجب اعتماد وسيلة تحترم كرامات هؤلاء الناس الذين ضاق بهم العيش حتى قبل رفع الدعم، فكيف الحال بعده؟!
إيصال الدعم ضروري، لكن وفق الرؤية الحكومية ثمة نتيجتان لا ثالث لهما: الأولى، فشل ذريع؛ والثانية مجتمع مستفز وغاضب، يتعمق شعوره بتخلي الحكومات عنه. فهل من مجيب؟
أخشى أن ينطبق على الحكومة المثل الشعبي: "كمن أرادت أن تكحلها.. فأعمتها".