ماذا يلزمنا اليوم؟

بوادر الأمور على جميع المستويات تشير إلى ان هناك معطيات جديدة بدأت تظهر معالمها على الارض، تلك معطيات طلت برأسها على اكثر من مستوى سواء كان دوليا او إقليميا، او عربيا، او محليا، فعلى المستوى الدولي علينا ملاحظة التقارب الاميركي مع الاتحاد الاوروبي وفتح خطوط تواصل مع ايران، وربما تأتي الأيام المقبلة بأكثر من خبر في هذا الصعيد.اضافة اعلان
أما المعطيات المتغيرة العربية فهي ما تعلق بالشأن الفلسطيني والانتخابات المزمع اجراؤها وإعادة خطوط تواصل بين السلطة والكيان الصهيوني باعتبار ان الادارة الاميركية الديمقراطية الحالية تختلف بالكامل مع العقلية الترامبية الجمهورية التي تسببت بالكثير من التعقيدات بين واشنطن والسلطة، وأظهرت انحيازا بالكامل للكيان الصهيوني اكثر من اي انحياز مارسه القادة الجمهوريون او الديمقراطيون.
وايضا علينا مشاهدة تطورات ما يجري بالخليج من اعادة تموضع وملاحظة ان الادارة الاميركية رفعت الحوثيين اليمنيين من قائمة الاٍرهاب التي تضعها الإدارات الاميركية عادة والتي تخلو بطبيعة الحال من ابرز اسم داعم للإرهاب ويمارس البلطجة الدولية امام أنظار العالم اجمع وهو الكيان الصهيوني، وايضاً علينا ملاحظة التموضع الجديد في ليبيا والعراق وغيرهما.
محليا، علينا إعادة طرح السؤال، ماذا يلزمنا اليوم؟، سواء اقليميا او عربيا او محليا، فعلى الصعيد الإقليمي فإن الرهان على الإدارات الاميركية رهان فاشل، فواشنطن التي شيطنت ايران وغيرها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، هي اليوم تفتح خطوطا تحت الطاولة معها، وهو درس مفاده عدم الرهان على مواقف واشنطن التي تؤمن وبقوة ان عدو الأمس صديق اليوم، ولذا فإن العلاقات المتوازنة التي ننتهجها هي الأساس الذي يتوجب المحافظة عليه، وعربيا، فإن من شيطن الحوثيين عاد ورفعهم من قائمة الارهاب، كما ان التصريحات الاميركية تشير لإمكانية فتح ملفات لدول عربية كان مسكوتا عنها في العهد الماضي.
نحن وكالعادة غالبا علاقاتنا متوازنة حتى وإن مالت الكفة لصالح طرف فإن حجم الميل لا يكون كبيرا ولا تذهب الى آخر الطريق في الانحياز لهذا او ذاك، وذاك التكتيك وضعنا في الطريق الصحيح اغلب الأوقات.
أما محليا، فإن الملفات التي فتحت تنتظر نهايات سعيدة، فالإصلاح يجب ان يرتقي لمستويات أوسع والكلام الذي كنّا نسمعه حول الإصلاح علينا ان نجعله حقيقة على ارض الواقع وتفعيله على ارض الواقع، والذهاب فورا لتنفيذ الأوراق النقاشية الملكية التي جاءت كباكورة وهاد للإصلاح المنشود، تلك الأوراق ناقشت ملفات مهمة ابرزها الدولة المدنية وسيادة القانون والمواطنة والتعليم ومحاربة المحسوبية والواسطة والترهل الاداري والحكومات البرلمانية، تلك رؤى لو تعاملنا معها وقتها لكنا اليوم في مطارح أوسع، بيد ان قوى الشد العكسي الموجودة ساهمت في تباطؤ مثل تلك التحولات.
ان الخيار الوحيد الذي يبرز أمامنا هو سيادة القانون على الجميع بلا استثناء، فالقانون عندما ينفذ بلا تدخلات ويحترم من الكبير والصغير يكون ذاك البداية لدولة مدنية نؤسس فيها للمواطنة الحقيقية، فالمواطنة ليست كلمات تقال في الفراغ وإنما نتائج على الارض يجب رؤيتها بأم العين، والتفكير ان هذا الوطن للجميع وليس لفئة أو لقوة ضغط، فليس لأحد فضل عليه بقدر ما قدم له.
نحن بحاجة لثورة بيضاء ادارية، بحاجة لإعادة نظر في ملفات التعليم والجامعات والاستثناءات وغيرها، بحاجة لقانون انتخاب حقيقي ينصف الجغرافيا والديمغرافيا بعيدا عن الحسابات الضيقة، بحاجة لقانون احزاب نقوي فيه الاحزاب وندفع بها الى الامام، وقانون ادارة محلية منصف للجميع، بحاجة لبرلمان مختلف شكلا ومضمونًا يتشكل من رحمه حكومات برلمانية، بحاجة لثورة ثقافية محلية نؤسس فيها لحالة ابداع، هذا ما يلزمنا اليوم، فهل نفعل؟