مازن عصفور: النقد الفني العربي لا يمكن له التطور من دون وعي معرفي

مازن عصفور: النقد الفني العربي لا يمكن له التطور من دون وعي معرفي
مازن عصفور: النقد الفني العربي لا يمكن له التطور من دون وعي معرفي

ناقد أردني يرى يرى أنّ القصائد ترسم واللوحات تتشكل من أوزان شعرية

سليم النجار

عمان - يصف الناقد الدكتور مازن عصفور واقع النقد التشكيلي العربي بصورة عامة بـ"الجمود"، محيلا إلى ذلك ما مرّ من أزمات ثقافية عربية مختلفة، تضمّنت مصطلحات وإشكاليات مختلفة، مثل السبات الثقافي والحضاري الذي يرجعه إلى الموروث العثماني، وفي حالات أخرى إلى مركزية الثقافة الغربية وسطوتها على الثقافة الإنسانية منذ عصر النهضة الأوروبية.

اضافة اعلان

ويجد عصفور في حواره مع "الغد" أنّ النقد الفنيّ الجاد مثله مثل الكائنات الحية "لا يمكنه العيش من دون أجواء الحرية والمعرفة المتكاملة المفتوحة والمنفتحة"، مضيفا أنّ النقد الفنيّ العربيّ لا يمكن له النمو والازدهار والتطور من دون وعي معرفي، وتطبيقي بجوهر النقد وأدواته ورسالته ومعرفياته الجمالية والتاريخية والاجتماعية.

ويؤكد أنّ تلك العناصر يجب أنْ تتوفر في الناقد المثقف العلميّ الجاد الذي نصبو إليه، مقراً عند معاينة ظاهرة الجمود في النقد التشكيلي البصري العربي بصورة خاصة بـ"الميِّزَة الخاصة للفن التشكيلي بوصفه فرعا من الفنون البصرية (المكانية) التي تشترط الفراغ والحيز المادي في إثبات حضورها ووجودها".

ويعزو عصفور غياب النقد الفني الجاد إلى سببين رئيسيين: أولهما يتمثل في النقد الفني غير التخصصي ويتفق عادة على تسميته بالنقد الانطباعي أو التأثري، وفيه يعتمد الناقد على أدواته الذاتية الشخصية في تناول العمل. ويقول إن الكثير من ذلك النوع من النقد بلا أدوات ومناهج وإن وجدت فغالباً ما تستند إلى التأثر والانطباع العاطفي عند تناول العمل.

السبب الثاني، كما يوضحه عصفور، يأتي من "الكتابة الصحافية التي تعتمد على التلميع الإعلامي وصناعة النجومية". ويشير في هذا السياق إلى أنّ أبرز ما يعانيه النقد التشكيلي العربي المعاصر بصورة عامة والنقد الانطباعي الصحافي بصورة خاصة ذلك "الخلط الجائر في تصنيف المشتغلين في العمل الفني، والمستويات المختلفة من الإبداع الفني عند دراسته، وتحليله وإطلاق الأحكام عليه".

يتطرق عصفور في الحوار إلى المكان في الفنّ التشكيلي الأردني، مبيّنا أنّ الفنان المحلي منذ انطلاقة تجربته الفنية في النصف الأول من القرن الماضي والمكان يتشكل في إبداعاته برؤى وأساليب مختلفة أسهم فيها ما يزخر به المكان الأردني من مفردات بصرية.

ويؤشر إلى تجربة الفنانة وجدان الهاشمي، التي وفق قوله "عشقت البيئة الصحراوية، كونها المعقل والمكان الوحيد الذي ربما لم يستطع الإنسان بحسب رؤيتها تلويث نقائها وجمالها وأصالتها".

ويتابع أنّ الفنانة وجدان "ألبست المشهد الصحراوي ثوباً من الدغدغة اللونية البصرية المشبكة والحالمة الممزوجة بحس انطباعي وتعبيري في آن واحد".

أما الفنان الرائد منها الدرة، وفق عصفور، فقد تناول المكان المحلي بـ"ثوب حداثوي تنوع بين التكعيبي والانطباعي والتعبيري، مزجها جميعاً بروح شرقية" وأضاف، ومن التشكيليين الأردنيين الذين حملوا خبراتهم الأكاديمية الفنية، في رسم المكان، التي درسوها في معاهد الفنون في الدول العربية والإسلامية المجاورة في مطلع سبعينيات القرن الماضي، تبرز أعمال الفنان ياسر الدويك الذي جسد أعماله، رموز المعانة والأمل، المكان الفلسطيني المدني والريفي بصورة خاصة.

يتوقف عصفور عند القواسم المشتركة بين الأدب والتشكيل، رائيا أنّ القصائد ترسم، وأن اللوحات التشكيلية تتركب من أوزان شعرية بالخط واللون، مثل "الكلمات في القصيدة".

ويزيد أنّ هناك كثيرا من الأمثلة في الإبداعات الفنية عبر العصور، التي تبرر - بوضوح - الفن التشكيلي في الشعر وتجليات الشعر في الفن التشكيلي، مستشهدا بقول الجاحظ إنّ "الشعر جنس من التصوير".

واستعرض عصفور بعض الأمثلة، التي تؤكد عمق العلاقة بينهما، إذ إنه في حالة الفن الإسلامي (انصهار الفنون الكتابية بالبصرية والموسيقية) مستشهداً بتوظيف الفنانين التشكيليين، تحويل العناصر البصرية النقية في التشكيلات الهندسية الإسلامية السردية، مثل مفاهيم العدل والمساواة والتماسك الاجتماعي للأمة الإسلامية من خلال الأشكال والخطوط المتشابكة والارتفاعات المتساوية للإيحاء بمفاهيم الخير.

ويبيّن عصفور، في الأدب العالمي، أن الفنان العالمي ليوناردو دافنشي، رسم لوحة العشاء الأخير المستوحاة من رواية باسم الوردة للروائي أومبرتو أيكو.

ويضيف من ناحية السرد لعبت، دوراً مهماً ومحورياً، رسم دافنشي لوحته الأسطورية "العشاء الأخير" التي ضمنها الكثير من الأسرار والرموز حول عقائده، وقدم دان براون في فيلمه شفرة دافنشي قراءته البصرية للوحة.

ويعتبر عصفور أنّ الرواية تعتبر علامة في تاريخ الأدب الحديث جسدت لعملية التأثير المباشر للفن التشكيلي على الأدب من خلال الحدث الدرامي الذي اتبعه الكاتب محللاً الرموز والإسقاطات التي تبنتها الأعمال الفنية.

[email protected]