"مافياهو"

قبل أكثر من سبع سنوات، "ابتكر" المحلل الإسرائيلي البارز ناحوم بارنيّع، مصطلح "الدبلومافيا"، وكان  ذلك بعد مرور عام على تولي أفيغدور ليبرمان، منصب وزير الخارجية؛ في الوقت الذي كان متورطا فيه بسلسلة تحقيقات بقضايا فساد. ولكن أكثر من هذا، هو أسلوبه الفظ الأزعر، في الرد على مواقف دول تعارض السياسات الإسرائيلية؛ يضاف اليه، عربدته في الوزارة على كبار المسؤولين. ولكن ليبرمان ليس وحده، فها هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يبادر لسن قوانين كي تنقذه من قضايا الفساد، بضمنها ضرب صلاحيات الشرطة.اضافة اعلان
فمن المنتظر أن يقر الكنيست خلال الأيام المقبلة، بالقراءة النهائية، قانونا يمنع وحدة التحقيقات في الشرطة، من إصدار استنتاجاتها وتوصياتها، في قضايا تتعلق بمنتخبي جمهور. والهدف من القانون، هو عدم كشف حقيقة التحقيقات والأدلة في قضايا الفساد المتورط بها نتنياهو؛ إذ تم تفصيل القانون في الأشهر الأخيرة، سعيا لإنقاذ نتنياهو من احتمال اضطراره للاستقالة، بضغط جماهيري، في حال أوصت الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده.
وجاء هذا القانون في المرحلة الأخيرة من تحقيقات الشرطة؛ ومن المفترض أن يسري القانون فورا، كي يستفيد منه نتنياهو، ولذا يسارع الائتلاف الحاكم، بإيعاز من نتنياهو، لإنهاء تشريع القانون، على أن يدخل حيز التنفيذ في غضون أسبوعين من يوم التصويت عليه. كذلك فإن هذا القانون تم طرحه، بعد أن فشل نتنياهو ونواب حزبه الليكود، في تمرير مشروع قانون يمنع التحقيق مع رئيس الوزراء في قضايا جنائية، طالما هو في منصبه، على أن يدخل القانون حيز التنفيذ فورا، وبذلك يتم وقف التحقيقات الجارية مع نتنياهو.
وهذا الإلحاح من نواب نتنياهو، لسن قوانين لعرقلة عمل الشرطة وضرب صلاحياتها، يؤكد على وجود ما يدين نتنياهو في القضايا المتورط بها. وهي الحصول على أموال ضخمة من أثرياء، تحت غطاء "هدايا". وهذا قبل أن يبدأ التحقيق معه في قضية الرشاوى، في صفقة الغواصات العسكرية من المانيا.
منذ أن عاد نتنياهو إلى رئاسة الوزراء في العام 2009، وهو يتميز بنهج العربدة، على كافة الصعد؛ بدءا من حزبه، الذي عمل فيه على تصفية شخصيات بارزة، لها حضور شعبي، لكنها تعارض نهجه؛ مرورا بالتعيينات في جهاز الحُكم، وصولا إلى القضية الأساس، القضية السياسية، ونهجه العدواني الدموي ضد الشعب الفلسطيني. وكل هذا، بموازاة تعفنه بسلسلة قضايا الفساد التي تلاحقه هو وزوجته.
ولا آتي بجديد، بالقول إن نتنياهو يتّبع أساليب عصابات المافيا في فساده، وفي إدارته للحكم، فهذا ما كان من الممكن سماعه في جلسة لجنة الشؤون الداخلية البرلمانية، يوم الخميس الأخير، لدى بحث القانون المذكور هنا. إذ قالت النائبة ياعيل فاران من كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة، إن إدارة الائتلاف لسن هذا القانون "تذكرنا بعائلات الاجرام. هذه زعرناتكم". ويقول النائب يوئيل حسون من الكتلة المعارضة ذاتها، إن هذا القانون هو مساندة جنائية، قاصدا محاولة التغطية على نتنياهو. وتقول زميلتهما النائبة ليئا فديدا، إن هذا القانون "بطلب من الزعيم"، وهذا يذكرنا "بجمهوريات الموز".
إن هذا النهج انعكاس لحالة التعفن في الحُكم الصهيوني، وقد يكون هذا طرف البداية، لما سيكون أكبر. وهذه ليست قضية إسرائيلية داخلية، كما يظن البعض، بل هذا يهمنا جدا، لأن أخطر مراحل العنصرية، وعقلية الحرب والاحتلال، حينما تندمج فيها عقلية عصابات الاجرام، والفساد الأخلاقي والسلطوي. لأن هذا يدل على نهج سلطوي منفلت من دون ضوابط، أيضا في العدوان على الشعب الفلسطيني، وفي حرمانه من حقه الطبيعي في وطنه. وتتملك نتنياهو العقليتان معا: العنصرية الدموية الشرسة، والفساد الجنائي في أعلى مستوياته.
ورغم هذا، فإن هناك من العرب من يتوهم، أن مجرد وجود تحقيقات مع نتنياهو، فإن هذا يدل على "مستوى ديمقراطية عال"، وهذا وهمٌ، لا أساس له، لأنه لا يمكن لدولة تمارس الاحتلال أن تكون ديمقراطية، حتى تجاه جمهورها.