"ماما أعطيني أرجيلة"


كم هو صادم المقطع المصور والمتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي تظهر فيه طفلة صغيرة قد تكون لم تدخل الروضة بعد تدخن الارجيلة باستمتاع غريب وعلى طريقة المحترفين، وتقابل من يحاول أخذها منها بعصبية واضحة تشي بعلامات الإدمان، مطالبة من دعتها بـ"ماما" أن تعطيها أرجيلة، وانا هنا لست معنيا بالبعد المكاني لحدوث القصة وانما بالبعدين؛ الاخلاقي والقانوني. اضافة اعلان
في مكان اخر وفي بقالة مجاورة فتاة صغيرة تتطاول لتقف على رؤوس اصابعها علها تصل ارتفاع "كاونتر" البائع، تمسك بأصابعها الصغيرة اوراقا مالية وتطلب منه بدقة نوعا معينا من السجائر "لماما" الجالسة تنتظر في السيارة امام المحل.  
هذه المشاهد ليست مسلية، ولا ممتعة، وإنما تشكل جريمة مكتملة العناصر بحق اطفال سلبت براءتهم ومن قبل من يفترض بهم أن يحموهم، كما ان هذه التصرفات ليست حوادث معزولة، فجولة سريعة على مقاهي عمان التي نخرت المدينة كالسرطان، تشاهد أعدادا ممن يفترض فيهن أن يكن جديرات بحمل لقب "ام" يصطحبن أطفالهن الذين لم يغادروا بعد مرحلة الحبو إلى المقاهي التي تتلفع بسموم دخان الارجيلة والسجائر غير عابئات بالاثار المدمرة لهذا التصرف على أطفالهن من مشاكل في الجهاز التنفسي، وغيره، سيبقون يعانون منه مدى الحياة، هذا إن كتبت لهم حياة، فالدراسات تشير إلى أن أطفال الآباء المدخنين معرضون للإدمان على التدخين أكثر من اقرانهم بنسبة الضعف.
الأمومة ليست مجرد ارتباط عضوي وبيولوجي، ولا تنحصر في توفير مأوى آمن لمدة تسعة اشهر، والا لوفرت المخابر بديلا مقبولا عنها، وإنما هي مسؤولية اخلاقية وقانونية تجاه الأطفال، وهي الحصن الاخير والمأوى الآمن الذي يلجأ اليه الطفل، وهي قبل هذا وذاك رسالة سامية.
المشهد الختامي يدور في المستشفى حيث اجلس الى جانب سرير مريض عزيز عليّ يحدثني في تلك اللحظات القليلة التي يستطيع ان يستغني فيها عن قناع الاكسجين عن قصته مع التدخين وكيف ان اعمامه كانوا يجلسونه طفلا صغيرا في مجالس الرجال ويشعلون له سيجارته في محاولة منهم لتعويضه عن غياب الاب الذي فقده مبكرا، لينتهي به المطاف بعد عقود في المستشفى يعاني من سرطان الرئة المتقدم ويكافح من اجل دفقة هواء تساوي الدنيا وما فيها.
أعتقد أن هناك مسؤولية تتحملها الجهات المختصة بحماية الأسرة والطفل وتلك المنوط بها تطبيق قانون منع التدخين وبيعه للاطفال، فالإساءة للطفل لا تنحصر في الإساءة المادية وإنما تتعداها إلى أنواع أخرى قد تكون أشد وطأة عليه، لذا يجب على المجتمع ومؤسساته حماية هؤلاء الأطفال الضحايا حتى ولو ممن يفترض فيهم أن يكونوا أقرب الناس إليهم.