ماما تطبخ... بابا يقرأ الجريدة!

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع المنصرم بالمشكلة الجندرية التي حصلت في اجتماع مجلس النواب الثلاثاء الماضي، فتعددت التعليقات، وأظهر الأردنيون طاقة فكاهة مرتفعة في توظيف الحدث وما تبعه من ردود فعل.اضافة اعلان
حسنا، استحضرنا نكات مختلفة، ووظفنا كل الطاقات في التركيز على المشكلة، واستحضار الفكاهة منها، دون أن نلتفت للمشكلة الجندرية التي حصلت، والتي ما زالت قائمة، ونعاني منها بين فترة وأخرى.
إن القصة ليس فيما قيل تحت القبة بحق السيدات النائبات والكوتة النسائية التي أدت لوصول نائبات لقبة التشريع، وليس في استحضار أحاديث نبوية شريفة وإسقاطها على الواقع الحالي دون أن يكون معلوما على وجه الدقة الأسباب والمسببات وظروف الحديث والجرح والتعديل فيه.
الموضوع أعمق بكثير من كلام قيل تحت القبة، وهو يحمل في طياته فكرا زرع في النفوس منذ التربية الأولى وفي النشء الاول، وعند التلقين، وشربه جيل كامل كالحليب، تربت وترعرعت عليه،  وتلك الأجيال باتت اليوم في مواقع المسؤولية رقابيا وتشريعيا.
دعونا نستذكر أن الجيل بأكمله نشأ في صفوفه الأولى على فكر جندري، وعلى عادات تمييزية، ففي المدرسة كان كل الجيل يدرس ماما تطبخ، (بطبيعة الحال ماما أنثى)، بابا يقرأ الجريدة، (بطبيعة الحال بابا ذكر)، رباب (الأنثى) تساعد ماما في المطبخ، وباسم (الذكر) يلعب.
وفي البيت تربت أجيال بأكملها على أفكار جندرية وتفريق بين الذكر والأنثى، "قوانص الدجاج" للذكر، وربما للابن البكر، وفي البيت أيضا أوامر خاصة بالانثى لا تشمل الذكر "قومي اعملي لأخوكي شاي، قعدي أخوكي مكانك، اكوي قميص اخوكي، ما تردي في وجه أخوكي، ما ترفعي صوتك بوجه أخوكي"، وهكذا دواليك.
هي عادات يومية رضعها الجيل بأكمله كالحليب، وتربى عليها الكثير من الذكور الآن، وآمن بها فريق واسع من الناس، بعضهم بات مشرعا وبعضهم بات في السلطة التنفيذية.
ترى من زرع كل ذلك في خلفية العقل الذكوري، من قال إن مكان ماما دائما في المطبخ، ومن قال إن وظيفة بابا في البيت قراءة الجريدة أو مشاهدة التلفزيون، أو "التصريخ والشخط والنخط"، ومن قال لنا إن باسم يكفيه أن يلعب، وإن رباب عليها بالضرورة مساعدة ماما؟!.
شخصيا، أحمّل الدولة بكل مؤسساتها الفجوة الجندرية التي نعاني منها اليوم، وأحمل على وجه الخصوص الحكومات المتعاقبة، وخاصة وزارة التربية والتعليم، مسؤولية تربية اجيال واجيال على فكر جندري قاس تفريقي بين الجنسين، يتعامل مع المرأة وكأنها أقل درجة من الرجل، ولا يؤمن بأهمية وجودها في ميادين العمل والتشريع وصنع القرار، وما حدث في مجلس النواب، وما سبقه في تشكيلة مجالس أمناء الجامعات التي خلت أو كادت من وجود سيدات فيها، ما هو إلا أكبر دليل على ما أفرزه الفكر التربوي الجندري الذي درسناه سنوات طويلة، والذي زرع في خلفيات الفكر على مر السنين، تضاف إليه أفكار تفريقية تمييزية تمارسها عائلات، وعائلات كثيرة.
القصة ليست في وجود كوتة للسيدات في مجالس النواب أو البلديات، فهناك من يختلف مع وجود الكوتة وهناك من يتفق معها، القصة أعمق من ذاك بكثير، وما حصل يجعلنا نعيد دق جرس الانذار من جديد لجهة إعادة النظر في كل مناهجنا التعليمية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية منها.
إن كنا فعلا نريد تقليص الفجوة بين الجنسين، ووضع المرأة في مكانها الصحيح، وبناء الدولة الحديثة الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع، علينا أن نذهب باتجاه سن قوانين ملزمة جادة وحقيقية تؤسس لكل ذاك دون أن يكون هناك تفريق في الجنس أو الدين أو اللغة.
أما إن كنا نقول ولا نفعل، ونكتب بخلاف ما نؤمن به، ونوقع على معاهدات ومذكرات دولية لا نلتزم بها، علينا وقت ذاك إعلان أنفسنا دولة للرجال فقط، ولا وجود للنساء فيها؟!