مانجا إسرائيلية.. "شو يعني!"

يبدو أن زمن الربيع العربي قد غيّر أمورا كثيرة، كنّا نحسب بعضها من البدهيات، ونعاهد أنفسنا على عدم تخطيها.
بالقرب من بيتي فقط، هناك أكثر من 4 عربات صغيرة لبيع الفاكهة، وبضعة محلات متخصصة في بيع الخضار والفاكهة، وجميعها مغرقة حدّ التخمة بمانجا إسرائيلية، يقبل عليها الجميع بدون أي أسئلة حول منشئها.اضافة اعلان
وعندما يريد أحدهم التأكد من الأمر، والسؤال عن هوية المانجا، يجيب البائع، سواء كان رجلا كبيرا في محله، أو طفلا وراء عربته: "إنها مانجا مصرية".
لكنّ المسألة أبسط من هذا بكثير. فمن يريد التأكد، ليس عليه إلا التدقيق في الصناديق الكرتونية المُنضّدة لدى الباعة، وسيكتشف أن الإسرائيليين لا يحاولون خداع أحد، فقد ثبتوا اسم المنتج ومنشأه، وأرقام الاتصال بالمنتجين.
لكنّ من يحاول خداعنا هم أبناء جلدتنا؛ أولئك الذين ارتضوا   لأنفسهم أن تكون أيديهم مشبوكة بأيدي القتلة، فلجأوا إلى إغراق السوق المحلية بالمانجا الإسرائيلية، وغيرها من الزراعات التي تنتج لدى العدوّ، متقصين في ذلك الربح، ولو كان على حساب المبدأ والكرامة والدم العربي.
ليس من باب "التنظير القومجي العقيم"، كما يسميه بعضهم، إن قلنا إنّ هذه الفاكهة التي يأكلها بعضنا، مغموسة بدم أشقائنا في الوطن المحتلّ فلسطين، وإنها لقمة حرام علينا، نحن الذين لم نستطع أن نفعل لهم شيئا خلال أربعة وستين عاما، وتركناهم لشأنهم.
اليوم، نجد لزاما علينا أن لا نمنح الاحتلال أيّ شرعية، وأن نخلع عنه صفة الدولة التي نستطيع أن نستورد منها وأن نصدر إليها. وحتى إن لجأ بعض مرضى النفوس إلى الأعداء، وحاول تسهيل التعامل معهم، فينبغي علينا أن نصعّب الأمر على الطرفين؛ فنحن بعملنا هذا نكون قد لجأنا إلى أحد أشكال المقاومة، وهو مقاومة التطبيع.
المانجا الإسرائيلية اليوم تُغرق السوق المحلية، وربما يتناولها كثير من الأردنيين على الإفطار أو السحور، فكيف يستوي هذا الأمر؟ أيّ دعاء سنمدّ أيدينا وأفئدتنا به إلى الله، ونحن "نغمّس" بدم الأشقاء، ونستبدلهم بأعداء لم يراعوا فيهم وفينا أي قانون إنساني أو حضاري؟!
بالأمس، سألت صبيا وراء عربته: "أتعرف من أين هذه المانجا؟". فأجاب بدون تردد: "إنها مصرية". وعندما أخبرته أنها "إسرائيلية"، وأن ذلك مكتوب عليها، زمّ شفتيه باستهزاء، وقال: "شو يعني.. إن شا الله تكون برازيلية"!
هذا هو الدرك الأدنى من النضج، حتى إننا لم نعد نعلّم أبناءنا ما الفرق بين الدولة العادية، وبين تلك الهجينة التي تقيم مجدها على رقابنا!
أيها الأردني، انظر جيدا إلى ما تشتريه، ولا تمنح الأعداء قرشا واحدا ليحاربوك به في المستقبل؛ فالمعاهدات المكتوبة ستظلّ حبرا على ورق فحسب، وسيبقى العدو هو العدو، والشقيق هو الشقيق الأولى بعين العطف.