"مانفيستو الحكومة"

 في لقائه أمس مع نخبة من الأكاديميين الأردنيين في الجامعة الأردنية، بدعوة من مركز الدراسات الاستراتيجية، بدا رئيس الوزراء (ويرافقه فريق من الوزراء) وكأنّه أنضجَ تماماً رؤيته للمرحلة القادمة، وطرح مشروع الحكومة وأولوياتها ورؤيتها للتحديات الداخلية والخارجية، بصورة مفصّلة امتدت لأكثر من ساعة (فيما استغرق النقاش معه ساعةً أخرى)، وبدا وكأنه يطرح "مانفيستو الحكومة"، عبر نقاط جوهرية تعكس قناعاته وأفكاره وخلاصاته التي ينطلق منها للمرحلة القادمة. اضافة اعلان
        تحدّث الرئيس عن التحديات الخارجية وكيف أنّها فرضت "حصار الأمر الواقع" على الأردن، ودفعنا كلفة كبيرة لانقطاع الصادرات وتوقف قطاعات حيوية، وللأشقاء اللاجئين، وكلفة كبيرة للجوانب العسكرية والأمنية لحماية الحدود والداخل، فضلاً عن وجودنا في إقليم مضطرب، ونظام إقليمي غير متشكّل، بما ينعكس على خشية المستثمرين وإحجامهم عن وضع أموالهم في دولة محفوفة بمنطقة تموج بالحروب الداخلية والإقليمية.
      وفي الجانب الداخلي حدّد الرئيس بوضوح أولوياته بـ: إصلاح القطاع العام وتطويره، وتحدّث عن إعادة النظر في الإجراءات وإصلاح البيروقراطية ومحاربة الفساد والرشوة والمسؤولية والمحاسبة، وبإصلاح التعليم على أكثر من مستوى: المناهج، تأهيل المعلمين، وتطوير التعليم المهني، وسيادة القانون وإنهاء مظاهر الاستقواء والتنمر كافّة.
       وجدد الرئيس القول بأنّه لا تهاون بعد اليوم في حماية المال، وإعادة هيكلة سوق العمل وتحسين بيئة الأعمال، وتحدث هنا عن وضع 100 مليون في صندوق للتدريب لتوفير الوظائف، وأخيراً إصلاح الموازنة العامة.
     الرئيس كان واضحاً وصريحاً، أكثر من أيّ وقت مضى، في حديثه مع الأكاديميين الأردنيين أمس، ومع الكتّاب الصحافيين أول من أمس، والجيد في الأمر أنّه لم ينكر وجود اختلالات جوهرية، واعترف بأنّ هنالك تراكمات كبيرة من الأخطاء، لكن لا يجوز أن نبقى نرحّل، لكنّه، وفي المقابل، أكد على أنّ أي قرار بشأن تغيير سياسات الدعم للخبر، لن يتم إلاّ بعد التأكد من الآليات البديلة، وهي مسألة تناقش اليوم في مجلس الوزراء بصورة مفصّلة.
     الأمور، بطبيعة الحال، ليست حديّة، أي إمّا أبيض أو أسود، ولا يجوز أن تتم عبر منطق لعبة صفرية بين الحكومة والشعب، فهنالك مخاوف وهواجس مشروعة لدى الرأي العام ومنسوب تحت الأرض من الثقة بين الطرفين، ومزاج اجتماعي سلبي تماماً ضد خطوات حكومية بهذا الاتجاه. في المقابل هنالك مخاوف مشروعة أيضاً من أنّ عدم اتخاذ خطوات جدية وحقيقية لإصلاح العديد من التشوّهات سيؤدي إلى حالة أخطر بكثير مما هي عليه اليوم، لذلك أطلق الرئيس على برنامج الحكومة للإصلاح مصطلح "الفرصة الأخيرة"، معلّلاً ذلك بأنّ نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى مستوى مرعب، وتجاوزت الخطوط الحمراء، فإذا لم نتخذ إجراءات واضحة اليوم ووصلت المديونية إلى نسبة الـ100 %، فسندخل في مرحلة أكثر خطورة وكلفة أكبر بكثير!
     الثيمة الجوهرية المتوارية وراء سياسات الحكومة الجديدة والعلاقة المتوترة مع الشارع تتمثل في أنّ هنالك اليوم واقعا جديدا في الأردن، داخلياً وخارجياً، يتطلب سياسات اقتصادية مغايرة للمرحلة السابقة، وعنوانها الاعتماد على الذات، والشرط الذي يحكمنا هو أنّ زمن المساعدات الخارجية انتهى إلى غير رجعة!
       علينا، إذاً، حكومة وشعباً أن نفكّر بعقلية جديدة مختلفة عن المرحلة السابقة، وأن نتعامل مع شعار "التشغيل بدلاً من التوظيف" كمبدأ أساسي للمرحلة القادمة، وأن نعمل بجدّ كي لا نغرق في طوفان خطير. صحيح أننا نجونا مما حدث في الأعوام السابقة، لكن المنطقة لم تستقر بعد والطوفان لم يهدأ، واستمرار تبادل إلقاء اللوم بين الطرفين الحكومة والشعب، هو أسوأ استجابة لتحديات فاصلة حاسمة ومنعطف تاريخي خطير نمر به!