ماهر أبو طير يكتب: تأشيرة هجرة لكن إلى أين؟

تنقلب الدنيا، والذين كانوا يريدون الهجرة، لا يجدون تأشيرات اليوم، ولا طائرات، هذا فوق أن الدول التي كانوا يحلمون بالهجرة إليها تحت وطأة انهيارات اقتصادية، ولا تريد رؤية وجه عربي، ولا شرق أوسطي، قادما بتأشيرة رسمية أو تسللا.اضافة اعلان
الكلام قد يبدو سطحيا، وقد يخرج من يردّ ويقول إن أوروبا وأميركا تبقى دولا غنية وعظمى، وأن الميل للهجرة إليها سوف يبقى قائما، وأنه مع نهاية هذه الظروف ستعود موجة الهجرة إليها، أو محاولات الحصول على تأشيرات، فالحياة لا تتوقف، هذا إضافة إلى أن الأضرار الاقتصادية في العالم العربي، قد تكون أضعاف أوروبا وأميركا، وسوف تدفع الناس للهجرة مجددا، بحثا عن أرزاقهم، وهؤلاء يعتقدون عكسي، أن موجات الهجرة سوف تشتد حتى إلى ادغال أفريقيا.
الأمر يحمل الوجهين، لكننا في مرحلة تحول، وقد يكون مبكرا تماما أن نعرف إلى أين تتجه الأمور في هذا العالم، خصوصا، أن أزمة الوباء في بدايتها، ونحتاج إلى شهور حتى نعرف أن هذه الدولة أو تلك باتت غير جاذبة للهجرات، أو استردت مكانتها وبالتالي سوف تستقطب الراغبين بالسفر اليها، بعد زوال المحنة.
هذا حال الدنيا، في زمن ما هاجر مئات الآلاف من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الى دول اميركا الجنوبية، في نهايات الدولة العثمانية، لاعتبارات مختلفة، وتوزعوا اليوم في دول كثيرة، وفي تلك السنين كانت هذه المنطقة جاذبة جدا للهجرات لاعتبارات كثيرة، لكنها بعد مرور عقود، باتت مجرد دول عادية لا يضعها كثيرون في أولويات خروجهم من العالم العربي والهجرة منه، وهذا يعني أن لا شيء ثابت في هذه الحياة، فكل شيء يتغير، وينقلب فجأة.
حين تسمع عن ملايين العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة، برغم قوة اقتصادها، وقدرتها حتى الآن على معالجة الأزمة، ويحدثك أصدقاء عرب في ولايات مختلفة عن ظروفهم، والمستقبل الصعب الذي ينتظرهم، وحالة التشاؤم الطاغية عليهم، تستذكر حكايات بعضهم، حين بذلوا الرخيص والغالي من أجل تأشيرة سفر، وحين أمضوا سنوات وهم يحاولون التكيف مع متطلبات طلب الهجرة، حتى حصلوا على التأشيرة وغادروا الى اميركا، او حتى دول مختلفة، لكنهم اليوم، يواجهون ظرفا صعبا، فلا بقوا في بلادهم المتعبة، ولا هم يشعرون بطمأنينة كاملة في ديار الهجرة، مع التوقعات بتراجعات تدريجية متواصلة في كل حياتهم.
الهجرة ليست قرارا محبذا لأحد، فلو وجد المرء مكانا مناسبا ورزقا متوسطا في بلاده لما هاجر، فالهجرة على الاغلب اضطرارية، ولا ننسى مشاهد السوريين الذين ركبوا قوارب الموت عبر البحر الأبيض المتوسط نحو جنوب أوروبا، هربا من الحرب، وهم اليوم في بيئة أصعب، دول أوروبية تسقط تحت وطأة الوباء، تغيرات اقتصادية حادة ما تزال في بدايتها، وكأنه مكتوب على العربي أن لا يجد ملاذا آمنا.
إلى أين يذهب الإنسان العربي اليوم، وأغلب الدول العربية ساقطة اقتصاديا قبل أزمة كورونا، التي ستكشف الغطاء كليا عن الهشاشة في البنية الداخلية، وإما دول تعاني من حروب وويلات، أو تسلط أنظمة، وفوق هذا تأثيرات الوباء التي ستؤدي إلى نتائج خطيرة على النظام الرسمي العربي، وعلاقته بمواطنيه، وإذا فرّ الإنسان العربي من عالمه، فلا مكان أحسن كثيرا بمعايير اليوم، أوروبا داخل الطاحونة، وأميركا سبقت الكل، والآثار الاقتصادية سوف تصل إلى أستراليا وكندا، ولا أحد مستثنى من كلفة الوباء الاقتصادية، التي لم تظهر تماما، وستبدأ بالظهور قريبا.
هذه هي المحنة الحقيقية، العربي في عالمه يعيش في فقر، وغياب للفرص والعدالة، والموارد منهوبة ومسروقة، وأغلب الأنظمة ظالمة تدوس على الناس، وكان ينقصنا فقط وباء كورونا، حتى تنكشف عورة العالم العربي، فلا يجد العربي بعد ذلك ملاذا آمنا، في العالم، بل إن العربي في دول كثيرة، يفضل أن يعود إلى خرابته الأولى، على أن يموت بالوباء ويتم حرقه في مغتربات قد لا تقيم احتراما لمعتقده.
قد تقولون إن هذه مبالغات، وإن العالم سوف يتعافى، وسنرى العرب في طوابير السفارات طلبا لتأشيرة، وستعود الحيوية إلى كل مكان. حسنا. دعونا ننتظر فقد أكون مخطئا، وتحت وطأة التأثر النفسي بهذا الوباء. لكنني أدرك حقيقة واحدة وأصر عليها. العالم يتغير. والدول الجاذبة ستفقد جاذبيتها تدريجيا.