"ما أزهى شمسك يا وطن!"

لجميع الذين يحاولون جاهدين أن يرسموا حدودا، ويشيدوا خرائط بخطوط طول وعرض تقسم الجسد الواحد، سنغني لهم: "ما أزهى شمسك يا وطن".

أغنية حفظناها صغارا ورددناها في دروب ترابية كانت تغرقنا بطينها الدافئ.

اضافة اعلان

نستذكرها اليوم، ونحن نرى تونس تنهض من سطوة الجلاد، وتسطر بالزغاريد صفحة جديدة من كتاب الوطن، ومصر القديمة الجديدة، تلم عثرتها، وترفع فينا آذان الاستنهاض، غير هيابة لزمرة "أوباش" حاولوا أن يحرفوا مسار "أم الدنيا" عن طريقها الحق.

نستذكرها، ونحن نختبر جروح ليبيا قطرة فقطرة.. يا الله، أكنا قانطين إلى هذه الدرجة كي نؤجر مراكبنا التي لم نحرقها حين استغفلنا طارق بن زياد على رصيف المراكب المهاجرة نحو الغرب، ليقرر أن التاريخ والجغرافيا ينتهيان هناك.

تبت يداك يا طارق. أما علمت حاجتنا للمراكب في رحلة عودة ندّخرها فيها لضعفنا وهواننا، حين تضيق بنا الأندلس وتلفظنا نحو ترابنا الأم الذي ينتظرنا.

"ما أزهى شمسك يا وطن!"

سنرددها مع عجائز الكرك اللواتي ما يزلن ينتظرن عودة أحمد من السفار كسندباد لوّحته الصحراء، غير أن بغداده لم تفقد بوصلتها إلى قلبه المتيّم.. وهو كذلك لم يفقد الإيمان برملها، فكأنما يكرز مستعينا باسمها على قيظ الصحراء حين يناديها: "هلي بزغروتة وقمر.. غنيله يا أحلى المدن.. أحمد على الموت انتصر.. ما أزهى شمسك يا وطن".

تلك أغنية لأراضينا السليبة بدءا من الأندلس بكل ما فيها من قصور حمراء وأسود، مرورا بالإسكندرونة، وجزر الخليج المنسية.. وفلسطين التي يأبى جرحها على الضماد.

تلك أغنية للكرك التي ودّعت "أحمدها" فتيّا في ريعان الشباب من غير أن يمارس شقاوته على النبع، ويغازل "الورّادات" اللواتي، عادةً، يطلقن "شتائمهنّ اللذيذة" بغير قصد.

أهي الكرك.. أم مدائن حزن كسرت فرنجةً كانوا يحومون كالفراش بجانب الحمى، أم "سراييفو" التي أسلمت أجمل فرسانها للموت من دون أن تستعطف مصيرها أحدا، أو ربما ميدان "تيانانمين" حين ودّع زهوره التي لفظت أنفاسها تحت سنابك خيل "السلطان"، وما استجابت لنداء خسة يطالب بالنكوص.

أهي الكرك حقا، أم مدائن شرق عاث فيها الفساد والمفسدون، وكأنما لم يطالعوا "بخت" أحد من قبل، فما عرفوا "هو شي منّه" وهو يرسم حدود "سايغون" بالدم، ولا استفتوا قلب "آرنستو تشي غيفارا" حين دهمه الموت، غدرا، على باب "فالي غراندي" ببوليفيا، لم يسألوه عن رأيه في "الإمبريالية".. ترى ما الذي فاتهم من كل هذا؟

ترى أهي الكرك التي نعرفها بناسها الطيبين الودودين، أم ميادين تحرير كثيرة تمتد بامتداد الألم العربي المزمن.

للحرية أسماء عديدة في جميع اللغات، غير أن بابها واحد.. ووحيدة هي اليد التي تدقّ بابها.

خلال هذا الأسبوع، استذكرت أغنية غنيناها أطفالا وفتية، عن "أحمد الكركي" الذي رمى عناقه على وجه بيروت، ومضى خالدا نحو الشهادة.

تذكرنا دمه، وأمّه، وبيروته التي لم يلفّها النسيان.. تذكرناه بكل بسالته وطيشه حين عدّ على أصابعه حبيبات مجهولات، لم يواعد أيّا منهنّ، لكنه استفتى دمه، ورأى أنه لا ينبغي له أن يكون إلا فداء للحرية والكرامة والانعتاق.

يذكره الله بالخير.. حسبه أنه لم يطالب مخالفيه بتسليم أنفسهم لـ"جسر الملك حسين".

رحمك الله يا أحمد الكركي.

[email protected]