ما أكذب الأغاني!

لبنان ينتفض، فأين هي أراضي زياد الرحباني الذي تصفه الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" بأنه يعد "طليعياً شيوعياً" (وللأمانة فإن الموسوعة نوّهت إلى أنّ هذه المعلومة تحتاج إلى مصدر!). ولبنان يثور، ولا حسّ ولا خبر يأتي عن "زياد" الذي تقول ويكيبيديا أيضاً إنّ كتابته الصحفية تتميّز بـ"الجرأة والقدرة الهائلة على التوصيف". زياد قال مرّة إن الشيوعي الحقيقيّ لا يخرج من الحزب إلا إلى السجن أو البيت.. إذن صارت عملية البحث أسهل، ومحصورة في ثلاثة أماكن!اضافة اعلان
المكان الأول المفترض أن يكون فيه زياد الآن هو "الحزب"، ربما هو جالس خلف مكتب خشبيٍّ مهترئ، لكتابة مقال تحريضيّ ضد النخبة الفاسدة، أو يمسك عوده ليقدّم لحناً ثورياً يجدد فيه هتاف الشارع. لكنّ "الأخبار" كلها نفت أنّ "زياد" متواجد في مكتب الحزب في حيّ "الوتوات" قرب وسط بيروت، فتذكّرتُ تصريحاً "صحيحا" لزياد ضلّل عملية البحث، فقبل سنوات قال الموسيقيّ الثوريّ: "أنا شيوعي.. لكنّي مع حزب الله"، وهكذا فإن زياد في جنوب بيروت، أو جنوب لبنان!
"الرفيق زياد" ربّما عاد إلى البيت، ليس خصاماً مع الحزب الأحمر الذي أيّد ثورة السابع عشر من تشرين الأول بكلام صريح (.. وأصلاً في شيوعيّة لأنْ في فقر) ولا أظنُّ أنّه ما يزال نائماً، فقد كشف مرة أنه يخاف من إطالة النوم كي لا يذهب الجميع ويظلّ وحده، لكنه فيما يبدو تخلّفَ عن الحراك الثوريّ من عكّار إلى النبطيّة، وبقي وحده. ربّما يكتب أغنية بلحن "عبقري" عن "الحالة التعبانة".. وما أكذب الأغاني يا زياد!
لم يبق سوى الاحتمال الثالث. السجن! لكن ليس لـ"المناضل زياد" أيّ أسبقيّة في الحبس لا السياسي ولا الجُرمي، فرغم أنّ له لسانا سليطا، ونكاتا (لا تضحكني) إلاّ أن صحيفته الجنائية بيضاء، كاللباس الداخلي. حتى لو كان مسجوناً، على خلفية عاطفية أو شيك بدون رصيد، أو موقف "ثائر" بأثر رجعيّ على مسرحياته الناقدة، فإنّ الحزب الأصفر سيخرجه كالشعرة من العجين، أو كما يسقط أيّ شيء "بخصوص الكرامة"!
لا حس ولا خبراً عن زياد في ثورة السابع عشر من تشرين الأول. وزياد "الطفران"، المديون، الذي يعتمد على التبرّعات، كما يشكو دوماً، كان من المفترض أن يكون واحداً من الثائرين في ساحة رياض الصلح، ولا بأس لو تمكنت منه هراوة "العناصر الملتحية"، فهذه الثورة قامت لأن تعود "المصاري" التي سُحبت من جيوب الناس إلى جيوب الناس، كما في أغنيته الساخرة من "هالإيام".. صحيح لقد اتفقنا على أنّ الأغاني كاذبة!
سيخرج زياد بعد وقت لا أعرفه، ولا أستطيع تقديره، ليستكمل النكات (التي لا تضحكني) وهناك "معلومات أكيدة" أنّه سيقدّم لحناً جديداً يعطيه مثقفو فيسبوك وصف "عبقري"، وقد يشكو قلة المال، وينقلب على مواقفه كما يغيّر نومته من اليمين إلى اليسار. و"من بعد هالعمر"، جاءت ثورة السابع عشر من تشرين الأول لتعطيه فرصة أخيرة للاستحمام، وغسل مواقفه الوسخة حين ساند الديكتاتور، وقال بسماجة "بلا ربيع عربي بلا بلوط".. لكنّ الماء كله لن يكفي!