عزيزة علي
عمان- يقول الشاعر المغربي ومدير هيئة الكتاب والمطبوعات في المغرب حسن نجمي إن كتاب "ما الأمل؟- نحو زرقة تصقل الحواس"، للشاعر البحريني قاسم حداد يأتي ضمن استمرارية حداد في الحرص على تعميق وعيه النظري والفكري، وتمسكه بنبرته النقدية، والتصاقه الكامل بالعملية الشعرية، بفضائها الثقافي والجمالي، وبسياقها التاريخي المجتمعي، وبأفقها الجغرافي "الكوني، العربي والبحريني".
يضيف نجمي، في مقدمة الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والذي يضم مجموعة من النصوص الفكرية النقدية والأدبية، مخترقاً مفهوم الكتابة العابرة للتجنيس الأدبي، بحضور فلسطين والكتابة والأمل العربي المغدور، وهذا ما يمكنه أن يسعفنا في فهم جيد ودقيق لمشروع حداد، ولإعادة بناء تصوره النظري والجمالي الذي يؤطر حركة شعره في توجهها الحداثي، ويوجه عموم كتاباته النثرية.
ويوضح أن أهداف حداد واضحة دائما وهي: أدبية، تواصلية، إعلامية، ثقافية، سياسية في مستوى معين "القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تظل حاضرة بقوة كـ"درس أول"، في وعيه والتزامه كشاعر وكمثقف له رصيده من الفعل والتضحية والتفاعل الخلاق".
يؤكد نجمي أن حداد يدافع في كتابه عن آفاق الحرية، ويمارسها بوعي واختيار وإصرار وجرأة، ويوجه نقدا صريحا إلى أنواع من العلائق والأفعال والخطابات واليقينيات، ويبرز عددا من القيم النبيلة والجميلة في الكتابة والتعبير والتخيل والحق في الحلم والأمل، لافتا الى أن حداد يحتفي بالأصدقاء الذين مر معهم سريعا وترك لمسته وابتسامته في الكون.
ويقول نجمي "إن هذا الكتاب هو كتاب مواقف فكرية وأدبية وسياسية، وينم عن نضج كبير في الكتابة والرؤية. ويأتي ببنيته ومكوناته. الكتابة أولا وأخيرا حتى إن كل شيء، وكل علاقة، وكل فعل يحدث من خلال الكتابة، ثمة اشتغال ذكي، جوهري، مبتهج وحر على اللغة وفي داخلها، على الذات في علائقها باللغة والعالم والآخرين بل تصبح الذات ذاتها بناء خطابيا، مجرد أثر من آثار اللغة؛ أي تصبح ذاتا شعرية بامتياز حتى أن الشاعر لم يعد يشعر بمزيد من الحاجة إلى الواقع، هذا الواقع المتكلس الذي يراه يتحلل من حوله".
ويلفت الى أن حداد يعبر عن مواقفه بنضج ودون جلبة أو صراخ. يكتب في صمت. وفي العمق، يكتب ضد كلام السياسة، ضد كلام الصحافة، ضد الخطب التي تمارس الوصاية والسلطة والتحكم والوعظ والإرشاد. ويكتب ضد كل كلام، وهذه هي الكتابة.
ويرى نجمي أن حداد يكتب باستراتيجية متكتمة ولا تعلن عن نفسها، فهو يكتب نصوصه النثرية دونما رهانات تنظيرية أو استعمال ترسانة اصطلاحية. إنها كتابة شاعر تجود بالإيماءات والصور والأفكار الصغيرة حتى عندما تلامس قضايا فكرية معمقة وشديدة التعقيدة كتجربة الفكر الماركسي في العالم العربي "وفي منطقة الخليج تحديدا"، والقضية الفلسطينية، وعلاقة الديني بالسياسي، وغطرسة الانغلاق الفكري، والتعصب، والمحافظة، وقضايا الثقافة والتعبيرات الفنية كالمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى.
ونجمي يعتبر أن حداد من فرط صمته، يدع النص يكتب نفسه. فهو له خبرته الطويلة وله طقوسه التي تكاد لا تكون طقوسا من حجم التعدد والاختلاف في تمظهراتها. ويعلم أن كتابته تنتعش وتتغذى أساسا على نسيجها الباطني، اللغوي والشعري، رغم أنها تندرج أصلا ضمن تغذية راجعة "feedback" تتصدى مع "الواقع" المركب الذي يعيشه الشاعر ويواكبه ويرصده بطريقته.
ويتحدث نجمي عن الكتابة النثرية عند حداد فهو له سيرورته الخاصة، فيما هي تنكتب تطور كيماءها ووعيها الذاتي. وهي ليست جاهزة مسبقا، وإنما تتقدم جملة جملة بحساسية الشاعر، وتقريبا بالروح نفسها التي تحرك جملته الشعرية، وفي العمق، حتى في تأليف كتاب نثري تبقى شهية الشعر مفتوحة عند حداد. كأن الفعل الشعري يعثر على مكان آخر إضافي خارج القصيدة، وفي الجملة النثرية والجملة تكاد تقصر عن "الارتقاء" بالفكرة إلى مرتقى الشعر، يأتي بسطر شعري أو باستشهاد من الشعر بل وبقصيدة جديدة تماما ليوغل بالنثري في أراضي الشعر.
ويقول "كون الأمر يتعلق بكتابة نثرية يفترض أنها وظيفية، فإن الجملة -في الغالب- يفكر فيها شعريا، تنكتب كما لو أنها في نظام شعري، في قصيدة، كما لو أنها جملة موسيقية لا تزيد على مكانها ولا تنقص، ومع أن موضوع الكتابة هو التعبير عن الموقف، والحضور بالرأي، والحرص على تحصين مساحات العقل والتحديث، ودعم الكتابة الشعرية الجديدة بقارئ/ة، فإن حداد لا ينسى أنه شاعر، وأن اللعبة كلها تعتمد بالأساس على شعرية الجملة، ناهيك عن شعرنة اللغة".
ويتابع نجمي أن الجملة في حد ذاتها، هي التي تقترح شكلها وإيقاعها، وتنهض بوظيفتها الشعرية حتى في مقام النثر الذي عليه أن ينهض بوظائف أخرى، مرجعية وتعبيرية وتواصلية، لافتا الى أن فعل الكتابة في كتاب "ما الأمل؟"، نعثر على مكان تحققه في الجملة وإمكانها الشعري واللغوي. البناء النحوي نفسه يخدم الجملة التي تنحت كلماتها لتسبح في النهر بنفس الشاعر وبظلال هويته.
أما الأمل عند حداد فهو ليس مصادفة، وليس حظا، وليس رغبة، ولكنه إرادة وممارسة للحرية، الأمل صوت صغير يجدد الثقة، الأمل تجديد وتحديث في الفكر والخطوة والاقتناع، وحداد هو ابن جيل السبعينيات الشرعي، هذا ما قالته "حنا أرنيدت" عن أن الأمل "يقيم دائما في عنصر الجدة الذي يحمله كل جيل معه"، كما يعرف، بحسه وتجربته ووعيه النقدي، أن الأمل دائما ممكن ومنفتح على الممكنات، الأمل دائما على حق.
ويعتبر أن تبشير الأمل في كتاب حداد، فقد أصبح لعلاقة الشاعر مع عقيدة الأمل تاريخ طويل مضن ومعقد حتى أصبح الأمل ضربا من "الهاراكيري"، الياباني، ولماذا سيبشر شاعر أدرك بعمق أن الأمل "ليس ضد اليأس، وإنما هو اليأس حرا"، والعبارة لحداد.
ويشير الى أن حداد، شاعرا، يحرص على إرساء صورته كشاعر، وتحصين وضعه الاعتباري كشاعر، وعلى ألا يظهر أو يتواصل أو يتحاور أو يسافر أو يشارك إلا كشاعر. فهو من قبل ومن بعد شاعر، بالقوة وبالفعل، لأن "مهنته"، تحديدا هي أن يكتب الشعر، موضحا أن كل ما يكتبه حداد في هذا الكتاب أو يكتب عنه، له في "الواقع"، مرجع وسند وأدلة وأمثلة.
ويخلص الى أن أهمية الكتاب تكمن في معنى الجملة، ومعنى الجملة هو الوقع الشامل لإيقاعها ولتداعياتها في نفوس القراء، وفي الوجدان العام. والدرس الأساس، وهو هبة هذا الكتاب هو أن الأهم بالنسبة للشاعر في نثره ليس أن يعبر فقط عن موقفه أو فكره أو نظره، وإنما كيف يكتبه، وقد فعل حداد ذلك بروح شاعر كبير قلق وبأخلاق المسؤولية الشعرية.
ويذكر أن الشاعر قاسم حداد هو شاعر معاصر بحريني، شارك في تأسيس "أسرة الأدباء والكتاب في البحرين"، في العام 1969، وشغل عدداً من المراكز القيادية في إدارتها، وتولى رئاسة تحرير مجلة "كلمات" التي صدرت في العام 1987، وهو عضو مؤسس في فرقة "مسرح أوال"، ترجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية.