ما الإصلاح؟

تستطيع الحكومات والمؤسسات والصحافة والإعلام أن تسمي البرامج والأفكار والمصالح بما شاءت من أسماء، إصلاح مثلا، ثم تستطلع رأي المواطنين وقادة الرأي حولها، ولكنها تسمية لا تجعلها إصلاحا، ولذلك فإن الناس لا تأبه بها.

اضافة اعلان

لن يحول البرامج إلى إصلاح أن تكون معدة وفق تقنيات متقدمة، وأن تجرى حولها استطلاعات رأي متخصصة، ولكنها ستبقى في نظر المواطن ليست سوى طبخ للحصى، ربما حدثنا القدر أو أصلحناها، حولناها مثلا إلى مطحنة متقدمة لطبخ الحصى مزودة بأجهزة كمبيوتر وتقنيات متقدمة، ويقوم على إداراتها شباب تخرجوا من أفضل الجامعات الأميركية، وتساعدهم فرق من الشباب والصبايا، يتحدثون الإنجليزية، ويرصدون على شاشات الكمبيوتر تقارير دقيقة عن الحصى في القدر الإلكتروني، ويمكن أن يوضحوا في مؤتمرات تعقد في فنادق باذخة ومترفة على شاشات إلكترونية أنيقة وملونة أرقاما ورسوما بيانية وإحصاءات مقارنة عن الحصى والقدر.

لكن المواطن يعرف ماذا يريد وماذا يحتاج إليه، وهو أيضا من يحدد ما هو الإصلاح المطلوب، لأنه ببساطة هو دافع الضرائب وصاحب الولاية الذي يمنح الشرعية والثقة للحكومات، فالإصلاح هو ما يريده الناس وما ينتظرون تحقيقه من الحكومات التي يمولونها ومن الشركات التي يدفعون لها، وعندما تعجز الحكومات عن الاستماع إلى المواطنين وفهم احتياجاتهم، والتعبير عنها بعدالة وأمانة، فهي تعمل ضد الإصلاح وضد المواطن وضد نفسها أيضا.

تستطيع الحكومة أن تسمي توسعة شارع المطار وربط مشروع العبدلي بالمطار بطريق أسطوري إصلاحا تدفع لأجله عشرات الملايين من الضرائب، وأن ترى الطرق القروية والريفية عبئا لا تستحق سوى 8 ملايين دينار. لكنها لن تكسب سوى ثقة المقاولين واستثمارات طفيلية، وليس عليها أن تنتظر تأييد الناس وحماسهم، لأنها مشروعات لن تعود على المدارس والعيادات والمراكز الصحية والأراضي الزراعية والغذاء والدواء والماء بفائدة تذكر، ولن تحسن حياتهم بشيء، وتستطيع الحكومة أن تتحدث عن الديمقرطية والحريات وحقوق الإنسان وتنشئ المؤسسات والمراكز الأنيقة لتعزيزها، ولكن المواطن لا يراها سوى مشروعات على شاكلة حماية السلحفاة الزرقاء من الانقراض، لأنه ببساطة لا يشارك في إدارة احتياجاته وقراراته وخياراته، وتكاد تكون مشاركته الرئيسية هي دفع الضرائب.

والنتائج يمكن قياسها ببساطة ووضوح أيضا، في مستوى الخدمة والكفاءة التي يلمسها المواطن في حياته اليومية، وفي اتجاهات الإنفاق ومجالاته، وفي الحوافز، ولا تحتاج في فهمها وإدراكها إلى عبقرية، ما تحتاجه فقط هو الرغبة الحقيقية، فكما يعرف المسوقون والمستثمرون والتجار رغبات الناس واحتياجاتهم يفترض في المؤسسات العامة أن تملك الحاسة الصادقة والاستشعار الحقيقي لهموم الناس واحتياجاتهم.

 [email protected]